عند ذلك : « من ترك مالا فلورثته ، ومن ترك دينا أو ضياعا فعلى الوالي (١) .
أقول : هذه الرّوايات قد عمل بها الأصحاب ، وما خالفها مؤوّل أو مطروح. وممّا يجب فيه الخمس : المال الحلال المختلط بالحرام ، ولا يتميّز صاحب الحرام أصلا ، والأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم ، وإنّما ثبت هذان الحكمان بالرّوايات المعتبرة المعمول بها.
ثمّ لما كان قطع المجاهدين أطماعهم عن خمس الغنيمة صعبا عليهم ، رغّبهم في الالتزام به ، وبيّن أنّه من لوازم الإيمان ، وأن التّسليم له شكر لنعمه العظام ، بقوله : ﴿إِنْ كُنْتُمْ ﴾ والمعنى : فسلّموا لهذا الحكم وارضوا به إن كنتم ﴿آمَنْتُمْ﴾ عن صميم القلب وخالص النيّة ﴿بِاللهِ﴾ الواحد المالك لجميع الأشياء ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا﴾ محمّد صلىاللهعليهوآله من النّصر والآيات ﴿يَوْمَ الْفُرْقانِ﴾ الذي فرق فيه بين الحقّ والباطل ، بظهور خوارق العادات والمعجزات الباهرات ، الدالّة على صدق نبيّنا وصحّة دين الإسلام ، وكان ذلك اليوم ﴿يَوْمَ الْتَقَى﴾ فيه ﴿الْجَمْعانِ﴾ وتقابل الفريقان ؛ فريق المؤمنين ، وفريق الكفّار والمشركين ، بوادي بدر ، فنصر الله المؤمنين مع ضعفهم وقلّة عددهم وعدّتهم على الكافرين مع كثرتهم وشوكتهم وقوّتهم بقدرته ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الأشياء ، وإيجاد كلّ ممكن من الممكنات التي منها غلبة الفئة القليلة على الفئة الكثيرة ﴿قَدِيرٌ﴾ لا يعجزه عن إنفاذ إرادته شيء ، ولا يمنعه عنه مانع.
فجدّوا في الجهاد ، وتوكّلوا عليه ، واطمئنّوا بنصره ، وقد أراكم قدرته على نصركم وغلبتكم على أعدائكم يوم بدر ﴿إِذْ أَنْتُمْ﴾ كنتم نازلين ﴿بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا﴾ والجانب الأقرب إلى المدينة من ذلك (٢) الوادي ﴿وَهُمْ﴾ كانوا نازلين ﴿بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى﴾ والجانب الأبعد من المدينة والأقرب إلى مكّة ﴿وَالرَّكْبُ﴾ والعير المقبل من الشّام الذي كنتم في طلبه ، نازل في مكان هو ﴿أَسْفَلَ مِنْكُمْ﴾ وقريب من ساحل البحر ، بينه وبين المشركين ثلاثة أميال ، وكان أهله مستظهرين بهم. ﴿وَلَوْ تَواعَدْتُمْ﴾ أنتم وأعداؤكم على القتال ﴿لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ﴾ وتخلّفتم عنه ، وخالفتم الوعد ؛ لقلّتكم وضعفكم ، وكثرة عدوّكم وقوّتهم ، واستظهارهم بالرّكب الذي كان قريبا منهم ، وكونهم بالعدوة القصوى القريبة من الماء ﴿وَلكِنْ﴾ ما تواعدتم ، بل جمع الله بينكم وبينهم بلا سابقة وعد ﴿لِيَقْضِيَ اللهُ﴾ ويتمّ ﴿أَمْراً كانَ﴾ حقيقا (٣) بأن يكون ﴿مَفْعُولاً﴾ وواقعا من نصر أوليائه ، وخزي أعدائه ، وظهور آثار وحدانيّته ورسالة رسوله. ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ﴾ بالكفر والطّغيان ﴿عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ وحجّة واضحة عظيمة ، وظهور دليل قويّ على بطلان عقائدهم ، وبعد مشاهدة الآيات الباهرة على كون معارضتهم للرّسول صلىاللهعليهوآله
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٧٨ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٠٤.
(٢) في النسخة : تلك.
(٣) في النسخة : حقيقيا.