المسلمين آخر الأمر.
قيل : نزلت في المطعمين يوم بدر ، وكانوا اثني عشر رجلا من أشراف قريش (١) ، يطعم كلّ واحد منهم عسكر الكفّار عشر جزر (٢) .
وعن سعيد بن جبير : نزلت في أبي سفيان وإنفاقه المال على حرب النبيّ صلىاللهعليهوآله يوم احد ، وكان قد استأجر ألفين من الأحابيش سوى من استجاش [ من ] العرب ، وأنفق عليهم أربعين اوقيّة ، والاوقيّة اثنان وأربعون مثقالا (٣) .
ثمّ هدّدهم الله بعذاب الآخرة بقوله : ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأصرّوا واستمرّوا على كفرهم ﴿إِلى جَهَنَّمَ﴾ لا إلى غيرها ﴿يُحْشَرُونَ﴾ ويساقون في القيامة ، ويكون ذلك الحشر ﴿لِيَمِيزَ اللهُ﴾ ويفرّق ﴿الْخَبِيثَ﴾ الذي هو الكافر ﴿مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الذي هو المؤمن ، فإنّهم يحشرون إلى الجنّة ﴿وَيَجْعَلَ﴾ ويضع ﴿الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ﴾ ويجمعه ﴿جَمِيعاً﴾ قيل : إنّ المراد من الخبيث : نفقة الكافر على عداوة محمّد صلىاللهعليهوآله ، ومن الطيّب : نفقة المؤمن في نصرته (٤) ، فيضم الله ذلك المال الخبيث بعضه إلى بعض ﴿فَيَجْعَلَهُ﴾ ويلقيه ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾ ليعذّبهم به ﴿أُولئِكَ﴾ الكافرون المنفقون أموالهم فيما يسخط الله ﴿هُمُ﴾ بالخصوص ﴿الْخاسِرُونَ﴾ في الدّنيا والآخرة.
عن الباقر عليهالسلام : « أنّ الله مزج طينة المؤمن حين أراد خلقه بطينة الكافر ؛ فما يفعل المؤمن من سيّئة فإنّما هو من أجل ذلك المزاج ، وكذلك مزج طينة الكافر حين أراد خلقه بطينة المؤمن ؛ فما يفعل الكافر من حسنة فإنّما هو من أجل ذلك المزاج » . قال : « فإذا كان يوم القيامة ينزع [ الله ] من العدوّ النّاصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصّالحة ، ويردّه إلى المؤمن ، وينزع الله من المؤمن سنخ الكافر (٥) ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيّئة ، ويردّه إلى النّاصب ، عدلا منه جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه ، ويقول للنّاصب : لا ظلم عليك ، هذه الأعمال الخبيثة من طينتك ومزاجك فأنت أولى بها ، وهذه الأعمال الصّالحة من طينة المؤمن ومزاجه وهو أولى بها ﴿لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾(٦) .
ثمّ قال : أزيدك في هذا المعنى من القرآن [ أ ليس الله عزوجل ] يقول : ﴿الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
__________________
(١) تفسير الرازي ١٥ : ١٦٠.
(٢) الجزر : جمع جزور ، هو ما يصلح لأن يذبح من الابل.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ١٦٠.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ١٦١.
(٥) في تفسير الصافي : الناصب.
(٦) غافر : ٤٠ / ١٧.