عن ابن عبّاس قال : كانت قريش يطوفون بالبيت عراة الرّجال والنّساء ، مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ، ويصفّقون (١) .
وعن الرضا عليهالسلام : « سميّت مكّة مكّة لأنّ النّاس يمكون فيها ، وكانوا يقولون لمن قصدها : قد مكا ، وذلك قول الله تعالى : ﴿وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً﴾ فالمكاء : الصّفير ، والتّصدية : صفق اليدين » (٢) .
وعن مقاتل : كان النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا صلّى في المسجد قام رجلان من بني عبد الدّار عن يمينه ورجلان عن يساره ، فيصفرون كما يصفر المكّاء ، ويصفقون بأيديهم ليخلّطوا على النبيّ صلىاللهعليهوآله صلاته وقراءته ، وكانوا يفعلون كذلك بصلاة من آمن به (٣) .
وعن مجاهد : كانوا يعارضون النبيّ صلىاللهعليهوآله في الطواف ، ويستهزئون به ، ويصفرون ويخلّطون عليه طوافه وصلاته (٤) .
ثمّ هدّدهم الله تعالى بقوله : ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ بالسّيف يوم بدر ، أو بالنّار يوم الحشر ﴿بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ وتشركون.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ
عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللهُ
الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ
فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٦) و (٣٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذمّهم على عبادتهم البدنيّة ، ذمّهم وهدّدهم على طاعتهم الماليّة بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وأشركوا من قريش ﴿يُنْفِقُونَ﴾ ويصرفون ﴿أَمْوالَهُمْ﴾ ليخلّوا في أمر رسالة الرّسول و﴿لِيَصُدُّوا﴾ النّاس ويمنعوهم ﴿عَنْ﴾ سلوك ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾ والدّخول في دين الإسلام ، وقبول اتّباع الرّسول.
ثمّ نبّه سبحانه على غاية خسارتهم بقوله : ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾ بتمامها ﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ تلك الأموال ﴿عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ وندامة لذهابها من أيديهم من غير حصول المقصود ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ في قتال
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٣٤٣.
(٢) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٩٠ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٣٠١.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٣٤٣.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ١٦٠.