أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ
عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) و (٣٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان مكرهم بالرّسول صلىاللهعليهوآله ، بيّن مكرهم بآيات الله وفي دينه بقوله : ﴿وَإِذا تُتْلى﴾ وتقرأ ﴿عَلَيْهِمْ آياتُنا﴾ القرآنية ﴿قالُوا قَدْ سَمِعْنا﴾ هذه الكلمات الملفّقة. ولكن ما سمعوها في الحقيقة ، لكونهم أظهر مصاديق شرّ الدّوابّ الذين قال الله في حقّهم : ﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾(١) ولذا قالوا مكابرة وعنادا : ﴿لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا﴾ الكلام.
كيف لم يكن مكابرة وأنّه لم يمنعهم من مشيئته شيء ، مع أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله تحدّاهم به مدّة ثلاث عشرة سنة حتّى قال : ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾(٢) . ثم أعلن بعجزهم عن ذلك بقوله : ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾(٣) ومع ذلك لم يأتوا بسورة قصيرة ، بل ولا بآية مع حرصهم على تكذيبه وتذليله والغلبة عليه ، خصوصا فيما يتعلّق بالفصاحة والبلاغة التي هم مهرة تلك الصّناعة.
قيل : إنّ قائل هذا الكلام النّضر بن الحارث من بني عبد الدّار ، فإنّه كان يختلف تاجرا إلى فارس والرّوم والحيرة ، فيستمع أخبار رستم واسفنديار وأحاديث العجم ، واشترى أحاديث كليلة ودمنة ، وكان يمرّ باليهود والنّصارى فيراهم يقرأون التّوراة والإنجيل ويركعون ويسجدون ، فجاء مكّة فوجد رسول الله صلىاللهعليهوآله يصلّى ويقرأ القرآن ، فطفق يقعد مع المستهزئين ، ويقرأ عليهم أساطير الأوّلين ، وكان يزعم أنّها [ مثل ] ما يذكره رسول الله صلىاللهعليهوآله من قصص الأنبياء والامم الماضين (٤) . ويقول : ﴿إِنْ هذا﴾ الكلام الذي جاء به محمّد ، وما هو ﴿إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ والأباطيل المسطورة في دفاتر السّابقين.
ثمّ أنّه روي أنّه قال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ويلك إنّه كلام الله » (٥) فذكر الله تحاشيه عن قبوله بقوله : ﴿وَإِذْ قالُوا﴾ حسدا للنبيّ صلىاللهعليهوآله على نزول الكتاب عليه ، أو إظهارا لليقين بعدم كونه كلام الله : ﴿اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا﴾ القرآن ﴿هُوَ الْحَقَ﴾ النّازل ﴿مِنْ عِنْدِكَ﴾ وصدقا وصحيحا انتسابه إليك ﴿فَأَمْطِرْ عَلَيْنا﴾ عقوبة لتكذيبنا إيّاه ﴿حِجارَةً مِنَ السَّماءِ﴾ كما أمطرت على قوم لوط ﴿أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ﴾ آخر تهلكنا به.
قيل : نزل في النّضر بن الحارث بضع عشرة آية (٦) .
__________________
(١) الأنفال : ٨ / ٢٣.
(٢) البقرة : ٢ / ٢٣.
(٣) البقرة : ٢ / ٢٤.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٣٤٠.
(٥) تفسير روح البيان ٣ : ٣٤١.
(٦) تفسير روح البيان ٣ : ٣٤١.