وقيل : نزلت في أحد ، وذلك أنّه أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله خلف بعظم رميم وقال : يا محمد ، من يحيي هذا وهو رميم ؟ فقال عليهالسلام : يحييه الله [ ثم يميتك ، ثم يحيك ] ، ثمّ يدخلك النّار » فأسر يوم بدر ، فلمّا افتدي قال لرسول الله صلىاللهعليهوآله : إن عندي فرسا أعتلفها كلّ يوم فرقا (١) من ذرة كي أقتلك عليها ، فقال صلىاللهعليهوآله : « بل أنا أقتلك إن شاء الله » .
فلمّا كان يوم أحد أقبل أبي يركض على ذلك الفرس حتّى دنا من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه ، فقال صلىاللهعليهوآله : « استأخروا » ، ورماه بحربة فكسر ضلعا من أضلاعه ، فحمل فمات ببعض الطّريق ، فنزلت (٢) .
ثمّ أنّه روي أنّ أهل مكّة لمّا أرادوا الخروج إلى بدر تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين ، وأهدى الفئتين ، وأكرم الحزبين ، وأفضل الدّينين (٣) .
وروي أنّ أبا جهل قال يوم بدر : اللهم انصر أفضل الفريقين وأحقّهما بالنّصر ، اللهم أيّنا أقطع للرّحم وأفسد للجماعة فاقتله (٤) .
﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ
تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)﴾
فبيّن الله استجابة دعائهم في حقّ المؤمنين بقوله : ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا﴾ وتسنصروا يا أهل مكّة لأعلى الجندين ﴿فَقَدْ جاءَكُمْ﴾ من قبل الله ﴿الْفَتْحُ﴾ والنّصرة. وذلك على سبيل التّهكّم. وقيل : إنّ التهكم في إطلاق الفتح على الهزيمة والخزي.
ثمّ وعظهم بقوله : ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا﴾ وترتدعوا عن الكفر والعناد والعصيان ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ من البقاء عليها والابتلاء بالحرب ﴿وَإِنْ تَعُودُوا﴾ إلى محاربة الرّسول ﴿نَعُدْ﴾ إلى نصرته وتأييده ، وخذلانكم وقهركم ﴿وَلَنْ تُغْنِيَ﴾ ولن تكفّ ، أو لن تدفع ﴿عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ﴾ وجماعتكم التي تجمعونها ﴿شَيْئاً﴾ من الإغناء ﴿وَلَوْ كَثُرَتْ﴾ الفئة عددا وعدّة ﴿وَ﴾ اعلموا ﴿أَنَّ اللهَ﴾ بالنّصر والعون ﴿مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بتوحيده وبرسوله وكتابه.
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ
__________________
(١) الفرق : مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٤٠.
(٣) تفسير الرازي ١٥ : ١٤٢.
(٤) تفسير روح البيان ٣ : ٣٢٨.