﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ
الْكافِرِينَ(١٧) و (١٨)﴾
ثمّ قوّى سبحانه قلوب المؤمنين في الجهاد ببيان أنّه هو القاهر للأعداء وقاتلهم وهازمهم كما قتلهم وهزمهم ببدر ، بقوله : ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾ في غزوة بدر بقوّتكم وقدرتكم ﴿وَلكِنَّ اللهَ﴾ بقدرته ﴿قَتَلَهُمْ﴾ حيث قوّى قلوبكم ، وأزال عنكم الخوف ، وأيّدكم بالملائكة ، وألقى في قلوبهم الرّعب ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ الحصى أو التراب في وجوه قريش يوم بدر ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ الحصى أو التّراب يا محمّد ﴿وَلكِنَّ اللهَ﴾ في الحقيقة ﴿رَمى﴾ حيث إنّه أمرك بالرّمي ، وأوصل الحصاة إلى عيون المشركين.
روي أنّه لمّا طلعت قريش من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي - قال صلىاللهعليهوآله : « اللهم هذه قريش جاءت بخيلائها وفخرها ، يكذّبون رسولك ، اللهم إنّي أسألك ما وعدتني » فأتاه جبرئيل فقال : خذ قبضة من تراب فارمهم بها ، فلمّا التقى الجمعان قال لعليّ عليهالسلام : « أعطني من صباء الوادي » ، فرمى بها في وجوههم وقال : « شاهت الوجوه » - أي قبحت - فما من المشركين أحد إلّا أصاب عينيه ومنخريه تراب ، فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، ثمّ لمّا انصرفوا من المعركة غالبين غانمين ، أقبلوا على التّفاخر يقولون : قتلت وأسرت وفعلت وتركت ، فنزلت (١) .
فحاصل الآية أنّ الرّمي وإن كان بيدك ، إلّا أن إيصال ذرّات الحصى في وجوه جميع المشركين ؛ بحيث لم يبق فيهم عين إلّا أصابها منه ، لم يكن إلا بقدرة الله تعالى وعلى خلاف العادة.
وإنّما فعل ذلك ليمحق الكافرين ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ويمتحنهم ﴿مِنْهُ بَلاءً﴾ وامتحانا ﴿حَسَناً﴾ ليعلم أنّهم يقومون بشكره أم لا. وقيل : يعني : لينعم عليهم نعمة عظيمة من النّصر والغلبة ومشاهدة الآيات ﴿إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ﴾ لدعائهم واستغاثتهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيّاتهم وصفاء ضمائرهم ، وانقطاعهم عن الأسباب.
﴿ذلِكُمْ﴾ البلاء الحسن للمؤمنين إحدى العلل ، والثانية : أن يعلم المؤمنون أنّ الله مؤيّدهم ﴿وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ﴾ ومبطل حيلهم في إطفاء نور الحقّ ، والإخلال في أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله.
وقيل : نزل قوله : ﴿وَما رَمَيْتَ﴾ في يوم خيبر ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله قوسا وهو على باب خيبر فرمى سهما ، فأقبل السّهم حتّى قتل ابن أبي الحقيق ، فنزلت (٢) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٣ : ٣٢٥.
(٢) تفسير الرازي ١٥ : ١٤٠.