فاضرب عنقه » ، فقدّمه فضرب عنقه (١) .
وعن ابن عباس : سوّى أصحاب رسول الله صفوفهم وقدّموا راياتهم ، فوضعوها مواضعها ، فوقف رسول الله صلىاللهعليهوآله على بعير له يدعو الله ويستغيث ، فهبط جبرئيل في خمسمائة على ميمنتهم ، وميكائيل في خمسمائة على ميسرتهم ، فكان الملك يأتي الرّجل من المسلمين على صورة رجل ويقول له : دنوت من عسكر المشركين فسمعتهم يقولون : والله لئن حملوا علينا لا نثبت لهم أبدا ، فألقى الله في قلوب الكفرة الرّعب بعد قيامهم للصفّ (٢) .
﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَمَنْ
يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ
وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) و (١٦)﴾
ثمّ لمّا ذكر الله نعمته على أهل بدر بالثّبات والاستقامة في الحرب ، أمر المسلمين كافّة بالثّبات في مطلق جهاد الكفّار بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ﴾ وصادفتم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ في أيّ وقت وأيّ مكان ، حال كونهم ﴿زَحْفاً﴾ ومقبلين إليكم للقتال ﴿فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ﴾ ولا تجعلوا ظهوركم نحوهم فضلا عن الفرار ، وإن كانوا أضعافكم.
ثمّ هدّدهم سبحانه على الفرار بقوله : ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ﴾ وحين التقائهم ﴿دُبُرَهُ﴾ وجعل ظهره نحوهم بأيّ داع من الدّواعي ﴿إِلَّا﴾ أن يكون المولّي ﴿مُتَحَرِّفاً﴾ ومائلا إلى طائفة اخرى ﴿لِقِتالٍ﴾ أو إلى جهة اخرى ليتخيّل الكافر أنّه انهزم فيتعاقبه ويبعد عن أعوانه ، ثمّ يكرّ عليه وحده ﴿أَوْ﴾ يكون ﴿مُتَحَيِّزاً﴾ ومتوجّها ﴿إِلى فِئَةٍ﴾ وجماعة من المسلمين ليستعين بهم ، فليس المولّي في هاتين الصّورتين فارّا من القتال ، بل هو متهيّئ ومتقوّ للحرب ، ومن تولّى لغير هذين الغرضين ﴿فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ﴾ شديد كائن ﴿مِنَ اللهِ﴾ القاهر الغالب ، وأثر هذا الغضب أن يكون منزله ﴿وَمَأْواهُ﴾ في الآخرة النّار الموقدة بذلك الغضب ، تسمّى ﴿جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ والمرجع تلك ، فلا ترجعوا من مقابل الكفّار إلى مأوى تأمنون فيه من القتل حتّى لا تبتلوا بالرّجوع إلى مأوى من النّار.
عن الكاظم عليهالسلام ، ﴿إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ﴾ قال : « متطرّدا يريد الكرّة عليهم ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ﴾ يعني متأخّرا إلى أصحابه من غير هزيمة ، فمن انهزم حتّى يجوز صفّ أصحابه فقد باء بغضب من الله»(٣).
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٦٧ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٨٣.
(٢) تفسير روح البيان ٣ : ٣٢٢.
(٣) تفسير العياشي ٢ : ١٨٨ / ١٧١١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٨٦.