وعلي بن اميّة بن خلف ، والعاص بن المنبّة ، فلمّا نظروا إلى قلّة أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله قالوا : مساكين هؤلاء غرّهم دينهم فيقتلون السّاعة.
إلى أن قال : فجاء إبليس إلى قريش في صورة سراقة بن مالك فقال لهم : أنا جار لكم ، ادفعوا إليّ رايتكم ؛ فدفعوها إليه ، وجاء بشياطينه يهوّل بهم على أصحاب رسول الله ، ويخيّل إليهم ويفزعهم ، وأقبلت قريش يقدمها إبليس معه الرّاية ، فنظر إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال لأصحابه : « غضّوا أبصاركم وعضّوا على النّواجذ ، ولا تسلّوا سيفا حتّى آذن لكم » ثمّ رفع يده إلى السماء فقال : « يا ربّ إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد » لا تعبد ، ثمّ أصابه الغشيّ فسرّي عنه وهو يسلت (١) العرق عن وجهه ويقول : « هذا جبرئيل قد أتاكم في ألف من الملائكة مردفين » . قال : فنظرنا فإذا بسحابة [ سوداء ] فيها برق لائح قد وقعت على عسكر رسول الله صلىاللهعليهوآله وقائل يقول : أقدم حيزوم ، [ أقدم حيزوم ] وسمعنا قعقعة السّلاح من الجو. الخبر (٢) .
﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ * ذلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ *
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٢) و (١٤)﴾
ثمّ ذكّر الله المسلمين وقت الرّبط على قلوبهم وتثبيت أقدامهم بقوله : ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ﴾ قيل : إنّ التقدير : اذكر وقتا يوحي ربّك (٣)﴿إِلَى الْمَلائِكَةِ﴾ المأمورين بنصرة المؤمنين ﴿إِنِّي مَعَكُمْ﴾ بالنّصر والعون ، وقيل : إنّ التقدير : أن قولوا للمؤمنين بالإلهام أو بتوسّط الرّسول : إنّ الله معكم ﴿فَثَبِّتُوا﴾ أيّها الملائكة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ في معركة القتال والنّزال بتقوية قلوبهم وإيمانهم ، وبشارتهم بالنّصر ، وتكثير سوادهم ، وقولوا لهم : إنّي ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ منهم ، والخوف من سطوتهم ﴿فَاضْرِبُوا﴾ أيّها الملائكة ، أو المؤمنون ﴿فَوْقَ الْأَعْناقِ﴾ وأعاليها التي هي المذابح ﴿وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ﴾ وأصابع. وقيل : إنّ المراد ضرب جميع الأعضاء من أعاليها وأسافلها.
﴿ذلِكَ﴾ المذكور من إلقاء الرّعب في قلوب الكفّار ، وضرب أعضائهم ﴿بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا﴾ وعاندوا ﴿اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ وعارضوهما ﴿وَمَنْ يُشاقِقِ﴾ ويعاند ويعارض ﴿اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ ويسعى في إطفاء
__________________
(١) أي يمسحه ويزيله.
(٢) تفسير القمي ١ : ٢٦١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٧٧.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٣٢١.