الضالين الذين لم يجيبوه ولم يهتدوا به بالعقاب بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ﴾ وانحرف ﴿عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ودينه بعد دعوته إليه بالحكمة والموعظة والعبر ، فيعاقبه أشدّ العقاب ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ إلى الحقّ الذي هو دين الاسلام ، فيجازيهم بالثواب العظيم.
﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ *
وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا
يَمْكُرُونَ (١٢٦) و (١٢٧)﴾
ثمّ لمّا كانت الدعوة ملازمة لايذاء النبيّ صلىاللهعليهوآله والمؤمنين المستعقبة لإقدام المؤمنين على مكافاة الأعداء ، أمرهم سبحانه بالعدل والانصاف في مكافاتهم بقوله : ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ﴾ أيّها المؤمنون وكافيتم الأعداء على إيذائهم بكم وظلمهم عليكم ﴿فَعاقِبُوا﴾ هم وكافوهم على ظلمهم ﴿بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ وبما يساوي (١) ما تعدّوا عليكم ، ولا تزيدوا على ما تعدّوا عليكم ، ولا تزيدوا على ما فعلوا بكم غيظا وتشفّيا ، وإطلاق العقاب على الأذى البدوي من باب مجاز المشاكلة والازدواج.
ثمّ لمّا كان الصبر على الأذى أولى وأفضل عند الله من الانتقام ، حثّهم سبحانه عليه بقوله : ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ﴾ أيّها المؤمنون على ما نزل بكم من الأذى ، وتركتم الانتقام والعقوبة بالله ﴿لَهُوَ خَيْرٌ﴾ وأفضل عند الله ، وأكثر ثوابا ﴿لِلصَّابِرِينَ﴾ على المصائب والشدائد.
ثمّ أنّه تعالى بعد التنبيه على فضيلة الصبر وحثّ المؤمنين عليه ، أمر نبيه صلىاللهعليهوآله الذي هو أفضل خلقه بالصبر الذي هو أفضل الأعمال وأحمزها (٢) بقوله : ﴿وَاصْبِرْ﴾ يا محمّد على ما أصابك من أذى الكفّار ﴿وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾ وبتوفيقه وإعانته لك عليه.
روى بعض العامة عن الصادق عليهالسلام ، أنّه قال : « أمر الله أنبياءه بالصبر ، وجعل الحظّ الأعلى منه للنبيّ صلىاللهعليهوآله حيث جعل صبره بالله لا بنفسه ، وقال ﴿وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ﴾(٣) .
أقول : وفيه تسلية له عليهالسلام.
ثمّ بالغ في تسليته في اغتمامه في مشاقّة الكفار وإصرارهم على معارضته بقوله : ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ ولا يتألّم قلبك من حرمانهم عن فيض الهداية والإيمان وفوائد متابعتك ، وسعيهم في تخريب أمرك وإيذائك ﴿وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ﴾ وغمّ شديد ﴿مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ بك ويدبّرون في إطفاء نورك وإبطال دعوتك والإضرار بنفسك.
__________________
(١) في النسخة : يسوى.
(٢) أي أشدّها.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ١٠١.