جملة وهو يقول : ﴿وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾(١) فجعل علم الصدق والايمان بالبرهان ، وهل يؤتى بالبرهان إلّا في الجدال بالتي هي أحسن».
قيل : يا بن رسول الله ، فما الجدال بالتي هي أحسن ، والتي ليست بأحسن ؟ قال : « أما الجدال بغير التي هي أحسن فأن تجادل مبطلا ، فيورد عليك باطلا ، فلا تردّه بحجّة قد نصبها الله ، ولكن تجحد [ قوله أو تجحد ] حقا يريد ذلك المبطل أن يعين به باطله ، فتجحد ذلك الحقّ مخافة أن يكون له عليك فيه حجّة ؛ لأنّك لا تدري كيف المخلص منه ، فذلك حرام على شيعتنا أنّ يصيروا فتنة على ضعفاء إخوانهم وعلى المبطلين ، أما المبطلون فيجعلون ضعف الضعيف منكم إذا تعاطى مجادلته وضعف [ ما ] في يده حجّة له على باطله ، وأمّا الضعفاء فتغتمّ قلوبهم لما يرون من ضعف المحقّ في يد المبطل.
وأمّا الجدال بالتي هي أحسن ، فهو ما أمر الله به نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يجادل به من جحد البعث بعد الموت ، وإحياء الله تعالى له ، فقال الله له حاكيا عنه : ﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ وقال الله في الرّد عليه : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً﴾(٢) إلى آخر السورة ، فأراد الله من نبيّه صلىاللهعليهوآله أن يجادل المبطل الذي قال : كيف يجوز أن يبعث هذه العظام وهي رميم ؟ فقال الله : ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أفيعجز من ابتدأه لا من شيء أن يعيده بعد أن يبلى ، بل ابتداؤه أصعب عندكم من إعادته.
ثمّ قال : ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ أي إذا أكمن (٣) النار الحارة في الشجر الأخضر الرطب [ ثمّ ] يستخرجها ، فعرفكم أنّه على إعادة ما بلي أقدر ، ثمّ قال : ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾(٤) أي إذا كان خلق السماوات والأرض أعظم وأبعد في أذهانكم (٥) وقدركم أن تقدروا عليه من إعادة البالي ، فكيف جوّزتم من الله خلق هذا الأعجب عندكم والأصعب لديكم ، ولم تجوّزوا ما هو الاسهل عندكم من إعادة البالي؟».
قال الصادق عليهالسلام : « فهذا الجدال بالتي هي أحسن ؛ لأنّ فيها قطع عذر الكافرين ، وإزالة شبهتهم » (٦) .
ثمّ لمّا أمر الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآله بالدعوة ، وعد المجيبين له والمهتدين بهداه بالثواب ، وأوعد
__________________
(١) البقرة : ٢ / ١١١.
(٢) يس : ٣٦ / ٧٨ - ٨٠.
(٣) في النسخة : كمن ، وما أثبتناه من الاحتجاج.
(٤) يس : ٣٦ / ٨١.
(٥) في الاحتجاج وتفسير الامام العسكري : في أوهامكم.
(٦) الاحتجاج : ٢١ ، تفسير الامام العسكري عليهالسلام : ٥٢٧ / ٣٢٢ ، وفيهما : وإزالة شبههم ، تفسير الصافي ٣ : ١٦٣.