القمي ، قال : إنّ موسى أمر قومه أن يتفرّغوا إلى الله في كلّ سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم ، وهم الذين اختلفوا فيه (١) .
وقيل : معنى اختلافهم أنّهم اختلفوا على نبيّهم في ذلك اليوم ، لا أنهم اختلفوا فيما بينهم (٢) .
قيل : إنّ الجمعة أفضل الأيام ، لأنّ السبت كان يوم الفراغ ، والأحد يوم الشروع ، والجمعة يوم الكمال والتمام ، وهو أولى بالفرح الكامل والسرور العظيم (٣) .
وقيل : إنّ المراد من اختلاف بني إسرائيل في السبت أنّهم أحلّوا الصيد فيه تارة وحرّموه اخرى ، وكان عليهم أن يتّفقوا في تحريمه على كلمة واحدة (٤) .
ثمّ وعد الله المحقّين ، وأوعد المبطلين بقوله : ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ والله ﴿لَيَحْكُمُ﴾ في شأن المختلفين ، ويقضي ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بالحقّ ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ والحكومة والقضاء ﴿فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بأن يثيب المحقّين ويعاقب المبطلين.
﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥)﴾
ثمّ لمّا أمر الله سبحانه نبيّه صلىاللهعليهوآله باتّباع إبراهيم في الملّة والدين ، أمره باتّباعه في الدعوة إلى الله وتوحيده وفي كيفيتها بقوله : ﴿ادْعُ﴾ يا محمّد ﴿إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ ودينه المرضيّ عند خواصّ امّتك ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾ والحجّة القاطعة ، وعوامّهم بالدلائل الاقناعية ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ والنصائح الوافية والبيانات المؤثّرة الكافية والحكايات النافعة ، وأمّا المعاندون منهم الذين لا تؤثّر فيهم الدعوة ، وكان غرضهم المجادلة فناجزهم ﴿وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ من طرق المناظرة والمجادلة ، وهو على ما قيل : للين في الكلام ، واختيار ما هو أقرب إلى الإفحام ، وأيسر في الإلزام ، كما فعله الخليل عليهالسلام (٥) .
عن الصادق عليهالسلام ، أنّه ذكر عنده الجدال في الدين ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمة [ قد ] نهوا عنه ، فقال الصادق عليهالسلام : « لم ينه عنه مطلقا ، ولكنّه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن ، [ أما تسمعون قوله تعالى : ﴿وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(٦) وقوله تعالى : ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ فالجدال بالتي هي أحسن ] قد أمر به العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرّم حرّمه الله على شيعتنا ، وكيف يحرّم الله الجدال
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٩٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٦٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٧ و١٣٨.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٨.
(٥) تفسير أبي السعود ٥ : ١٥١ ، تفسير روح البيان ٥ : ٩٧.
(٦) العنكبوت : ٢٩ / ٤٦.