علّيين.
ثمّ بيّن الله تعالى أجلّ ما اوتي عليهالسلام بقوله : ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ يا محمّد ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ﴾ ودينه - فانّه كان ﴿حَنِيفاً﴾ ومائلا عن كلّ دين باطل - وهو دين الاسلام والصراط المستقيم الذي هداه إليه.
ثمّ أكّد تنزيهه عن الشرك بقوله : ﴿وَما كانَ﴾ إبراهيم ﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ مبالغة في إبطال مذهب الشرك ، وإنّما أمره عليهالسلام بالاتّباع لأنّه عليهالسلام كان بعده ، وإلّا فهو عليهالسلام في عالم الأنوار والأنوار والأشباح كان متبوعا لما سوى الله من الملائكة والأنبياء أجمعين.
﴿إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤)﴾
ثمّ لمّا أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله باتباع إبراهيم ، كان مجال توهّم أنه خالفه في دينه بجعل الجمعة عيدا لامّته ، فدفعه سبحانه بقوله : ﴿إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ﴾ عيدا وفرض تعظيمه ﴿عَلَى﴾ بني إسرائيل ﴿الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ لا على إبراهيم وأتباعه.
قيل : إنّ موسى أمر اليهود أن يجعلوا يوما واحدا في الاسبوع للعبادة ، وأن يكون ذلك يوم الجمعة ، فأبوا عليه ، وقالوا : نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السماوات والأرض ، وهو السبت ، إلّا شرذمة منهم قد رضوا بيوم الجمعة ، فأذن الله لهم في السبت ، وابتلاهم بتحريم الصيد فيه ، فأطاع أمر الله الذين رضوا بالجمعة ، فكانوا لا يصيدون ، وأمّا غيرهم فلم يصبروا عن الصيد ، فمسخهم الله قردة دون اولئك المطيعين (١) .
وعن ابن عباس : أمرهم موسى بالجمعة ، وقال : تفرّغوا لله في كلّ سبعة أيام يوما واحدا ، وهو يوم الجمعة ، لا تعملوا فيه شيئا من أعمالكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا نريد إلّا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق ، وهو يوم السبت ، فجعل الله السبت لهم ، وشدّد عليهم فيه ، ثمّ جاء عيسى أيضا بالجمعة ، فقالت : النصارى : لا نريد إلّا أن يكون عيدنا بعد عيدهم (٢) ، فاتخذوا الأحد (٣) .
وعن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله ، أنّه قال : « إنّ الله كتب يوم الجمعة على من كان قبلنا ، فاختلفوا فيه وهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا ، والنصارى بعد غد » (٤) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ١٥٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٩٦.
(٢) في تفسير الرازي : عيدهم بعد عيدنا.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٧.