اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٦) و (١١٧)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه حصر محرّماته في شرع الاسلام في الأشياء الأربعة ، نهى المشركين عن بدعتهم وتحريم ما أحلّه الله عليهم بهوى أنفسهم بقوله : ﴿وَلا تَقُولُوا﴾ أيّها المشركون ﴿لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ﴾ من الأنعام المحلّلة عند الله بالحلّ تارة وبالحرمة اخرى بهوى أنفسكم ، بلا إسناد إلى الوحي من الله ﴿الْكَذِبَ﴾ على الله ، وذلك الكذب هو قولكم : ﴿هذا﴾ الحيوان الذي زهق روحه بغير التذكية ، أو هذا الخنزير ، أو هذا الدم المشوي ﴿حَلالٌ﴾ لنا من قبل الله وفي حكمه ﴿وَهذا﴾ الحيوان الحامي أو البحيرة أو السائبة ﴿حَرامٌ﴾ علينا ، وهذا الذي في بطون الأنعام حرام على أزواجنا ، فانّ جميع ذلك مجرّد الوصف والقول بالأنواه بلا حجة ودليل من الله.
وقيل : إنّ المعنى : لا يقولوا لأجل وصف ألسنتكم الكذب : هذا حلال وهذا حرام (١) . وقيل : جملة ﴿تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ﴾ من أفصح الكلام وأبلغه (٢) . وقيل : إنّ ﴿الْكَذِبَ﴾ هو المقول(٣).
ثمّ بيّن سبحانه ذلك الكذب بقوله : ﴿هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ﴾ ثمّ لمّا لم يصرّح سبحانه يكون كذبهم على الله صرّح به بقوله : ﴿لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ﴾ ولام ( لتفتروا ) لام العاقبة ، وقيل : إنّ هذه الجملة بدل من قوله : ﴿لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ﴾ لأنّ وصفهم الكذب هو عين الافتراء على الله (٤) .
ثمّ هدّد سبحانه المفترين عليه بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ ولا ينجون من العذاب ، أو لا يفوزون بخير ومطلوب ، ثمّ لمّا كان مجال توهّم أنّ لهم الفوز بنعم الدنيا ، دفعه الله سبحانه بقوله : ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ تلك النّعم ، ومنفعة سريعة الزوال ، بحيث لا يصحّ أن يقال لوجدانها فوز وفلاح ، ولذا لا يعتني بها عاقل.
عن ابن عباس : بل متاع كلّ الدنيا [ متاع ] قليل (٥) . ثمّ يردّون بالموت والخروج من الدنيا إلى نار جهنم ﴿وَلَهُمْ﴾ فيها ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ لا يقادر قدره.
﴿وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا
أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٢ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٤٧ ، تفسير روح البيان ٥ : ٩٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٢.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٩٢ ، جوامع الجامع : ٢٥٠.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٢.
(٥) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٢.