﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ (١١٤)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه سوء عاقبة الكفران ، أمر عموم النّاس بشكر نعمه بقوله : ﴿فَكُلُوا﴾ أيّها الناس ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ﴾ وأنعم عليكم من النّعم حال كونها ﴿حَلالاً﴾ لكم من قبل الله ﴿طَيِّباً﴾ ولذيذا عندكم.
قيل : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قطع الميرة عن أهل مكّة ، فكلّم رسلهم رسول الله صلىاللهعليهوآله حين جهدوا (١) ، وقالوا : عاديت الرجال فما بال النسوة والصبيان ؟ فأذن صلىاللهعليهوآله في حمل الطعام إليهم ، فلّما حمل خاطبهم الله بقوله : ﴿فَكُلُوا﴾(٢) يا أهل مكّة ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ﴾
وقيل : كأنه قال تعالى : لمّا تبين لكم يا أهل مكه حال من كفر بأنعم الله وكذّب رسوله وما حلّ بهم (٣)﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً﴾ ولا تحرّموا بأهوائكم ما أحلّ الله لكم ﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وأحكامه تطيعون ، ورضاه تطلبون.
﴿إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥)﴾
ثمّ أعلمهم بما حرّم عليهم بقوله : ﴿إِنَّما حَرَّمَ﴾ الله ﴿عَلَيْكُمُ﴾ في دين الاسلام ﴿الْمَيْتَةَ﴾ وما زهق روحه بغير التذكية من كلّ حيوان برّي ﴿وَالدَّمَ﴾ مسفوحا كان أو غيره إلّا المتخلّف في المذكّى ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ وسائر ما يؤكل منه ﴿وَما أُهِلَ﴾ ورفع الصوت ﴿لِغَيْرِ اللهِ بِهِ﴾ بأن يقال عند ذبحة باللات أو العزى ، أو بغيرهما من أسماء الأصنام ، هذه هي المحرّمات عند الله دون ما تزعمون من البحيرة وأخواتها ، وتلك المحرّمات أيضا لا تحرّم مطلقا ، بل يجوز أكلها عند الضّرورة ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ والجئ إلى أكل أحد من الامور المحرّمة إذا كان ﴿غَيْرَ باغٍ﴾ وغير متعدّ على مضطرّ آخر ، أو غير طالب للّذة ، أو غير باغ على إمام زمانه ﴿وَلا عادٍ﴾ ومتجاوز في أكله عن قدر الضّرورة وسدّ الرّمق ﴿فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ﴾ لا يؤاخذه بذلك ﴿رَحِيمٌ﴾ لا يرضى بمشقّتهم والتضييق عليهم ، بل يرخّص لهم في رفع اضطرارهم بأكل ما حرّم عليهم.
﴿وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى
__________________
(١) جهد الناس : أجدبوا.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ١٣٠.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٩٠.