شجر وغيره ، فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا إلى الذي كانوا يستنجون به [ فأكلوه ] ، وهي القرية التي قال الله : ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً﴾ إلى قوله : ﴿بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾(١) .
قيل : وجه استعارة اللباس للجوع والخوف إحاطتهما به من جميع الجهات (٢) .
وقيل : تأثيرهما في الهزال وشحوب اللون المشتملين على البدن كاللباس (٣) ، وقيل : إنّ اللباس هنا بمعنى الامساس (٤) .
وقيل : إنّ الإذاقة بمعنى التّعرّف (٥) . وقيل : استعير لفظ الإذاقة للاصابة لما فيها من اجتماع إدراكي اللّامسة والذائقة (٦) .
﴿وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣)﴾
ثمّ أنه تعالى بعد بيان سلب النعم عنهم بكفرانهم ، بيّن ابتلاءهم بعذاب الاستئصال بتكذيبهم الرسول بقوله : ﴿وَلَقَدْ جاءَهُمْ﴾ من جانب الله ﴿رَسُولٌ مِنْهُمْ﴾ يعرفونه بأصله ونسبه وأخلاقه ، لهدايتهم إلى الحقّ ، وإرشادهم إلى وجوب شكر النعم وحرمة الكفران ، وإخبارهم بسوء عاقبته ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ فيما أخبرهم به من رسالته من الله ، ووجوب طاعته وطاعة أحكام الله التي منها وجوب شكر النعم ﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ﴾ المستأصل وأهلكهم به ﴿وَهُمْ ظالِمُونَ﴾ على أنفسهم بكفران النعم والكفر بالله وبرسوله.
عن ابن عبّاس ، قال : هذا المثل لأهل مكة ، فانّهم كانوا في حرم آمن ويتخّطف النّاس من حولهم ، وما يمرّ ببالهم طيف من الخوف ، وكانت تجبى إليه ثمرات كلّ شيء ، ولقد جاءهم رسول منهم ، فكفروا بأنعم الله ، وكذّبوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأصابهم بدعائه - بقوله : « اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف » - ما أصابهم من القحط والجدب حتى أكلوا الجيف والكلاب الميتة والجلود والعظام المحرّقة والعلهز - وهو الوبر والدم - يعني كانوا يخلطون الدم بأوبار الإبل ويشوونه على النار ، وصار الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كالدّخان من الجوع ، وقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت من سرايا النبيّ صلىاللهعليهوآله بعد الهجرة ، حيث كانوا يغيرون على مواشيهم وعيرهم ، فوقعوا في خوف عظيم من أهل الاسلام حتى تركوا سفر الشام والتردّد إليه ، ثمّ أخذهم يوم بدر ما أخذهم [ من العذاب ](٧) .
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ٢٧ / ٢٤٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ١٢٩.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٨٩.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٠ : ١٢٩.
(٦) تفسير أبي السعود ٥ : ١٤٥.
(٧) تفسير روح البيان ٥ : ٨٩.