﴿وَتُوَفَّى﴾ وتعطى كاملا ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس جزاء ﴿ما عَمِلَتْ﴾ من الطاعة والمعصية والخير والشرّ ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ بتنقيص الثواب أو زيادة العقاب.
﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تهديد الكفّار بالعذاب الاخروي ، هدّدهم بالعذاب الدنيوي بقوله : ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً﴾ بديعا لتبيين حال الكفّار والمرتدين عن دين الحقّ ، وذكر لهم شبيها ، وهو أنّ ﴿قَرْيَةً﴾ من القرى ، قيل : هي مكة (١) ، وقيل : هي أيلة ، كانت بين ينبع ومصر (٢)﴿كانَتْ آمِنَةً﴾ من تعديّات القياصرة وظلم الجبابرة وسائر المخوفات ، وكانت ﴿مُطْمَئِنَّةً﴾ ساكنة أهلها ، لا ينتقلون منها إلى غيرها لحسنها ، وعذوبة مائها ، ولطافة هوائها ، ووفور نعمها ، فانّه كان ﴿يَأْتِيها رِزْقُها﴾ وما يحتاج إليه أهلها ﴿رَغَداً﴾ واسعا ﴿مِنْ كُلِّ مَكانٍ﴾ كان في نواحيها من البرّ والبحر ﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ﴾ بأن صرفها أهلها في عصيان ربّهم الذي تفضّل عليهم بتلك النّعم التي منها صحّة أمزجتهم ، وسعة أرزاقهم ، وأمنهم من المخوفات ﴿فَأَذاقَهَا اللهُ﴾ وألبس أهلها ﴿لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ بسبب القحط وتهاجم الأعداء عليهم ﴿بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ من كفران النعم.
روى بعض العامة : أنّ أهل أيلة كانوا يستنجون بالخبز (٣) .
والقمي رحمهالله ، قال : نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البليان (٤) ، وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير ، وكانوا يستنجون بالعجين ، ويقولون : هو ألين لنا ، فكفروا بأنعم الله واستخفوا بنعمة الله ، فحبس الله عليهم البليان ، فجدبوا حتّى أحوجهم الله إلى [ أكل ] ما كانوا يستنجون به ، حتّى كانوا يتقاسمون عليه (٥) .
والعياشي عن الصادق عليهالسلام : « كان أبي يكره أن يمسح يده بالمنديل وفيه شيء من الطعام تعظيما له ، إلّا أن يمصّها ، أو يكون إلى جانبه صبيّ فيمصّها له. قال : وإنّي أجد اليسير يقع من الخوان فأتفقّده ، فيضحك الخادم » .
ثمّ قال : « إنّ أهل قرية ممّن كان قبلكم ، كان الله قد وسع عليهم حتى طغوا ، فقال بعضهم لبعض : لو عمدنا إلى شيء من هذا النّقي (٦) فجعلناه نستنجي به ، كان ألين علينا من الحجارة » قال : « فلمّا فعلوا ذلك بعث الله إلى أرضهم دوابا أصغر من الجراد ، فلم يدع لهم شيئا خلقه الله [ يقدر عليه] إلّا أكله من
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٢٧.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٨٨.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٨٩.
(٤) في تفسير القمي الثلثان ( الثرثار خ ل ) .
(٥) تفسير القمي ١ : ٣٩١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥٩.
(٦) النقيّ : الدقيق الجيد الأبيض.