اللّطيمة (١) اللّطيمة ، العير العير ، أدركوا أدركوا ، وما أراكم تدركون ، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم. فخرج ضمضم يبادر إلى مكّة.
ورأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم في منامها بثلاثة أيّام ، كأنّ راكبا قد وافى مكّة ينادي : يا آل غدر ، يا آل غدر ، اغدوا إلى مصارعكم صبح ثالث. ثمّ وافى بجمله إلى أبي قبيس ، فأخذ حجرا ودهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلّا أصابه منه فلذة ، وكان وادي مكّة قد سال من أسفله دما ، فانتبهت ذعرة فأخبرت العبّاس بذلك ، فأخبر العبّاس عتبة بن ربيعة ، فقال عتبة بن ربيعة : تلك مصيبة تحدث في قريش.
ففشت الرّؤيا في قريش ، فبلغ ذلك أبا جهل فقال : ما رأت عاتكة هذه الرّؤيا ، وهذه نبيّة ثانية في [ بني ] عبد المطّلب ، واللّات والعزّى لننتظرنّ ثلاثة أيّام ، فإن كان ما رأت حقّا فهو كما رأت ، وإن كان غير ذلك لنكتبنّ بيننا كتابا أنّه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم. فلمّا مضى يوم قال أبو جهل : هذا يوم قد مضى ، فلمّا كان اليوم الثّاني قال أبو جهل : هذان يومان قد مضيا ، فلمّا كان اليوم الثّالث وافى ضمضم ينادي في الوادي : يا آل غالب ، يا آل غالب ، اللّطيمة اللّطيمة ، العير العير ، أدركوا [ أدركوا ] وما أراكم تدركون ، فإنّ محمّدا والصّباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم التي فيها خزائنكم.
فتصايح الناس بمكّة وتهيّأوا للخروج ، فقام سهل بن عمرو وصفوان بن اميّة وأبو البختري بن هشام ومنبه ونبيه ابنا الحجّاج ونوفل بن خويلد فقالوا : يا معشر قريش [ والله ] ما أصابكم مصيبة أعظم من هذه ، أن يطمع محمّد والصّباة من أهل يثرب أن يتعرّضوا لعيركم التي فيها خزائنكم ، فو الله ما قرشيّ ولا قرشيّة إلّا ولهما في هذه العير نشّ (٢) فصاعدا ، وإنّه لذلّ وصغار أن يطمع محمّد في أموالكم ويفرّق بينكم وبين متجركم.
فأخرجوا وأخرج صفوان بن اميّة خمسمائة دينار وجهّز بها ، وأخرج سهيل بن عمرو [ خمس مائة ] ، وما بقي [ أحد ] من عظماء قريش إلّا أخرجوا مالا ، وحمّلوا وقوّوا ، وخرجوا على الصّعب والذّلول لا يملكون أنفسهم كما قال الله : ﴿خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ﴾(٣) ، وخرج معهم العبّاس بن عبد المطّلب ، ونوفل بن الحارث ، وعقيل بن أبي طالب ، وأخرجوا معهم القيان يشربون الخمر ويضربون بالدّفوف (٤) .
__________________
(١) اللطيمة : العير التي تحمل الطيب وبزّ التجارة وقوله : يا آل غالب الطليمة ، أي أدركوها.
(٢) النشّ : نصف أوقية ، ويعادل عشرين درهما.
(٣) الأنفال : ٨ / ٤٧.
(٤) في النسخة : بالدفّ.