قام سيّد الخزرج سعد بن عبادة فقال : انظر في أمرك وامض ، فو الله لو سرت إلى عدن أبين (١) ما تخلّف عنك رجل من الأنصار. ثمّ قال المقداد بن عمرو : يا رسول الله ، امض لما أمرك الله فإنّا معك حيثما أحببت ، لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾(٢) ولكن نقول : اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون ما دامت عين منّا تطرف.
فتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوآله ثمّ قال : « أشيروا عليّ أيّها النّاس » وهو يريد الأنصار ، أيّ بيّنوا لي ما في ضميركم في نصرتي ومعاونتي ؛ وذلك لأنّ الأنصار عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوآله ليلة العقبة أن ينصروه مادام في المدينة ، وإذا خرج منها لا يكون عليهم معاونته ونصرته ، فأراد صلىاللهعليهوآله أن يعاهدهم على النّصرة في هذه المعركة.
فقام سعد بن معاذ فقال : كأنّك تريدنا يا رسول الله ، قال : « أجل » ، قال : قد آمنّا بك وصدّقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السّمع والطّاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت ، فو الّذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضنا معك ، ما تخلّف منا رجل ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا ، إنّا لصبّر عند الحرب ، صدّق عند اللّقاء ، ولعلّ الله يريك منّا ما تقرّبه عينك ، فسر بنا على بركه الله. ففرح رسول الله صلىاللهعليهوآله ونشطه قول سعد ثمّ قال : « سيروا على بركة الله وابشروا ، فإنّ الله وعدني إحدى الطّائفتين ، والله لكأنّي انظر إلى مصارع القوم » (٣) .
بيان قصة بدر الكبرى
عن القمّي رحمهالله : أنّ عير قريش خرجت إلى الشّام فيها خزائنهم ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوآله أصحابه بالخروج ليأخذوها ، فأخبرهم أنّ الله تعالى قد وعده إحدى الطّائفتين ؛ إما العير أو قريش إن ظفر بهم ، فخرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فلمّا قارب بدرا ، كان أبو سفيان ( لعنه الله ) في العير ، فلمّا بلغه أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد خرج يتعرّض العير خاف خوفا شديدا ، ومضى إلى الشّام ، فلمّا وافى البهرة (٤) اكترى ضمضم بن عمرو الخزاعي بعشرة دنانير ، وأعطاه قلوصا (٥) ، وقال له : امض إلى قريش : وأخبرهم أنّ محمدا والصّباة (٦) من أهل يثرب قد خرجوا يتعرّضون لعيركم ، فأدركوا العير. وأوصاه أن يخرم (٧) ناقته ويقطع اذنها حتّى يسيل الدّم ويشقّ ثوبه من قبل ودبر ، فاذا دخل مكّة ولّى وجهه إلى ذنب البعير وصاح بأعلى صوته : يا آل غالب يا آل غالب ،
__________________
(١) عدن أبين : مدينة على ساحل بحر العرب.
(٢) المائدة : ٥ / ٢٤.
(٣) تفسير روح البيان ٣ : ٣١٥.
(٤) بهرة : موضع بنواحي المدينة ، وفي النسخة : النقرة.
(٥) القلوص : الشابة من النوق.
(٦) الصّباة : جمع صابئ ، وهو الخارج من دين إلى آخر ، وكانت قريش تسمي أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله الصّباة لأنهم خرجوا من دين قريش إلى الإسلام.
(٧) أي يشقّ ما بين منخريها.