اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٠٢) و (١٠٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في ردّهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمّد : ليس القرآن ممّا تقوّلته ، بل ﴿نَزَّلَهُ﴾ تدريجا جبرئيل الذي لقبه ﴿رُوحُ الْقُدُسِ﴾ وأمين الوحي ﴿مِنْ﴾ قبل ﴿رَبِّكَ﴾ مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ ودلائل الصدق من إعجاز البيان واشتماله على العلوم الوفيرة والأخبار الغيبية ، أو متلبّسا بالحكمة البالغة ﴿لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ على الايمان بأنّه كلام الله المنزل على رسوله ، فانّهم إذا سمعوا الناسخ وتفكّروا فيما فيه من المصالح والحكم ، رسخت عقائدهم وطمأنّت قلوبهم ﴿وَ﴾ ليكون ﴿هُدىً﴾ ورشادا إلى كلّ حقّ وخير ﴿وَبُشْرى﴾ بالثواب ﴿لِلْمُسْلِمِينَ﴾ المنقادين لأحكامه.
ثمّ حكى الله تعالى طعنهم الآخر في القرآن بقوله : ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ﴾ أنّ محمّدا كاذب في دعوى نزول القرآن من الله ، بل ﴿إِنَّما يُعَلِّمُهُ﴾ القصص والتواريخ التي فيه ﴿بَشَرٌ﴾ قيل : اريد به سلمان الفارسي (١) . وقيل : عبد لبني عامر بن لؤي (٢) ، وكان يقرأ الكتب (٣) وقيل : عدّاس غلام عتبة بن ربيعة (٤) . وقيل : عبد لبني الحضرمي [ صاحب ] كتب واسمه جبر ، وكانت قريش تقول : إنّ عبد بني الحضرمي يعلّم خديجة ، وخديجة تعلّم محمّدا (٥) . وقيل : كان بمكّة نصراني أعجمي اللسان اسمه بلعام. وكنيته أبو ميسرة ، وكان يتكلّم بالرّومية (٦) .
ثمّ ردّهم الله تعالى بقوله : ﴿لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ﴾ وينسبون القرآن ﴿إِلَيْهِ﴾ أو يميلون قولهم عن الاستقامة بادّعاء أنّ القرآن بتعليمه ﴿أَعْجَمِيٌ﴾ غير فصيح وغير مبين ، أو غير عارف بلغة العرب ﴿وَهذا﴾ القرآن ﴿لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ بالغ في الفصاحة إلى حدّ الإعجاز ، ثمّ أتبع ردّهم بتهديدهم بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ﴾ ودلائل توحيده وكمال صفاته ، ورسالة رسوله ومعجزاته التي منها فصاحة القرآن وعلومه المنطوية فيه ، مع عدم اطّلاع الذي حسبوه معلّما له على أقل قليل منها ﴿لا يَهْدِيهِمُ اللهُ﴾ إلى الحقّ وطريق الجنّة ، بل يسوقهم إلى النار ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾
﴿إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ * مَنْ
كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ
بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) و (١٠٦)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١١٧ ، تفسير البيضاوي ١ : ٥٥٧ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٤١.
(٢) زاد في تفسير الرازي : يقال له : يعيش.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢٠ : ١١٧.
(٥ و٦) تفسير الرازي ٢٠ : ١١٧.