وعقاب شديد.
ثمّ قيل : إنّ المشركين كانوا يعدون ضعفاء المسلمين ويشترطون لهم الحطام الدنيوية عن ارتدادهم (١) ، فنهى الله المسلمين عن الرغبة في أموال المشركين بقوله : ﴿وَلا تَشْتَرُوا﴾ أيّها المؤمنون ﴿بِعَهْدِ اللهِ﴾ ولا تأخذوا بمقابلتة ومقابلة بيعة الرسول صلىاللهعليهوآله ﴿ثَمَناً﴾ وعوضا من أموال المشركين ، فانّه وإن كان بقدر الدنيا يكون ﴿قَلِيلاً﴾ ويسيرا ﴿إِنَّما عِنْدَ اللهِ﴾ من الأجر على الوفاء بالعهد من النصر والعزّ في الدنيا والثواب في الآخرة ﴿هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ ممّا يعدونكم من الأموال ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة الايمان ، وتميّزون الخير من الشرّ.
﴿ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما
كانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً
طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) و (٩٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أظهر وجوه الخيرية بقوله : ﴿ما عِنْدَكُمْ﴾ من الحطام الدنيوية ﴿يَنْفَدُ﴾ ويفنى وينقضي ﴿وَما﴾ اعدّ لكم من النّعم ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي خزائن رحمته ﴿باقٍ﴾ ودائم لا نفاد له ، ومن الواضح أنّ النعمة الباقية وإن كانت قليلة خير وأفضل من النعم الزائلة وإن كانت في غاية الكثرة.
ثمّ لمّا كان الوفاء بالعهد والثبات على الايمان موقوفا على الصبر على الفقر والشدائد ، وعد الصابرين بقوله : ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على الوفاء بالعهد وبيعة الرسول صلىاللهعليهوآله وما التزموه من شرائع الاسلام ﴿أَجْرَهُمْ﴾ وثوابهم الخاصّ بهم ﴿بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من الواجبات والمندوبات.
وقيل : يعني بما عملوا من الصبر على المذكورات ، وإنّما أضاف إليه الأحسن للايذان بغاية حسنه(٢) .
ثمّ حثّ سبحانه المؤمنين على الأعمال الصالحة بقوله : ﴿مَنْ عَمِلَ﴾ عملا ﴿صالِحاً﴾ خالصا لوجه الله ، أيّ عمل كان ، وأيّ عامل كان ﴿مَنْ﴾ صنف ﴿ذَكَرٍ﴾ أو صنف ﴿أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ بتوحيد الله ورسالة رسوله وصدق ما جاء به ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ﴾ ونعيشنّه ﴿حَياةً﴾ وعيشة ﴿طَيِّبَةً﴾ مرضية حسنة ، وإن كان معسرا مبتلى بالأمراض والمصائب ، فانّه يكون قانعا راضيا بالقسمة ، متوكّلا على الله ، راجيا أجره العظيم في الآخرة ، فلا يحزن على ما فاته ، ولا يفرح بما آتاه الله من الدنيا.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٧٦ ، وفيه : على الارتداد.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٧٨.