وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه اختلاف الناس في دينه ، نبّه على قدرته على إلجائهم على الاتفاق على دين الاسلام ، وإنّما الحكمة اقتضت إيكالهم إلى اختيارهم وحصول الاختلاف بينهم حسب اختلاف طينتهم بقوله : ﴿وَلَوْ شاءَ اللهُ﴾ بالمشيئة التكوينية اتفاق الناس ، والله ﴿لَجَعَلَكُمْ﴾ بالقهر والجبر ﴿أُمَّةً واحِدَةً﴾ متّفقة على دين الاسلام بقدرته القاهرة ﴿وَلكِنْ﴾ لم يشأ ذلك لمنافاته الحكمة البالغة ، بل ﴿يُضِلُ﴾ عن الحقّ ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ إضلاله بخذلانه وإيكاله إلى نفسه ومقتضى طينته لعدم قابليته للهداية والتوفيق ﴿وَيَهْدِي﴾ إلى الحقّ ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ هدايته بتوفيقه وطيب طينته وقابليتة للهداية ﴿وَ﴾ بالله ﴿لَتُسْئَلُنَ﴾ جميعا البتة يوم القيامة سؤال تبكيت وتقريع ﴿عَمَّا كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من الوفاء بالعهد والأيمان ونقضها وحنثها ، فتجزون بما صدر عنكم.
﴿وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما
صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٩٤) وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً
إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩٥)﴾
ثمّ أكّد سبحانه النهي عن نقض العهد واتّخاذه دخلا وخديعة بقوله : ﴿وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ ونكرا ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ﴾ منكم أيّها المؤمنون عن محجّة الحقّ والصراط المستقيم ﴿بَعْدَ ثُبُوتِها﴾ واستقرارها عليها ، وإنّما أفرد لفظ القدم ونكّره إشعارا بأنّ زلة القدم الواحدة إذا كانت مستتبعة لهذا المحذور العظيم ، فكيف بزلّة الأقدام الكثيرة.
وقيل : إنّ هذا الكلام مثل يضرب لكلّ من وقع في الشدّة بعد الرخاء وابتلي بالمحنة بعد النّعمة(١).
وقال القمي في تأويله : ﴿بَعْدَ ثُبُوتِها﴾ يعني بعد مقالة النبيّ صلىاللهعليهوآله في عليّ عليهالسلام (٢) .
وقيل : إنّ الآية السابقة في النهي عن نقض مطلق العهد واليمين ، وهذه الآية في النهي عن نقض عهد الرسول (٣) وبيعته ؛ لأنّ زلّة القدم بعد ثبوتها مناسبة لنقض هذا العهد الموجب لسقوط الانسان عن درجة الايمان في مهاوي الضلال والهلاك ، ولذا هدّدهم بقوله : ﴿وَتَذُوقُوا السُّوءَ﴾ والعذاب الدنيوي ﴿بِما صَدَدْتُمْ﴾ ومنعتم أنفسكم أو غيركم ﴿عَنْ﴾ السلوك في ﴿سَبِيلِ اللهِ﴾ والالتزام بالاسلام ، أو الدخول فيه ، فان ارتدادهم يكون مانعا عن إيمان غيرهم ﴿وَلَكُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ عَظِيمٌ﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١١٠.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٩٠ ، الكافي ١ : ٢٣٢ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥٤.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ١١٠.