والاخروية ﴿لِلْمُسْلِمِينَ﴾ والمؤمنين ، أو المنقادين لأحكامه خاصّة.
﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)﴾
ثمّ لمّا وصف سبحانه الكتاب بكونه تبيانا وهدى ، ذكر علم الأخلاق والأحكام فيه بكلمات موجزة جامعة لجميعها بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ﴾ في الكتاب الذي هو تبيان وهدى ﴿بِالْعَدْلِ﴾ والتوسط في الأخلاق وسائر الامور ، والتسوية بين الناس في الحقوق وبين أنفسكم وغيركم في الرعاية ﴿وَالْإِحْسانِ﴾ إلى أنفسكم بحفظها عن ارتكاب القبائح والموبقات ، والسعي في تكميلها وتعليتها إلى المراتب العالية الانسانية ، وإلى غيركم بتعليمهم العلوم الدينية ، وإرشادهم إلى السعادات الدنيوية والاخروية ، ومساعدتهم في امور معاشهم ومعادهم ﴿وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى﴾ والأرحام وإعطائهم جميع ما يحتاجون إليه من العلم والمال ، وكل ما يؤهّلون له من الكمال ، وإنّما خصّه بالذّكر مع دخوله في عموم الاحسان تنبيها على أهمية صلة الرّحم وفضلها ﴿وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ﴾ والامور الشديدة القباحة كالشّرك والزّنا وغيرهما من الكبائر ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ وما ينتفّر منه العقل السليم ويستقبحه ممّا لا يبلغ في القبح درجة الفحش ﴿وَالْبَغْيِ﴾ والظلم على الناس ، والتعدّي في أموالهم ونفوسهم وأعراضهم وتوهينهم وتضييع حقوقهم.
ثمّ حثّهم سبحانه على العمل بما في الآية بقوله : ﴿يَعِظُكُمْ﴾ الله بأمره ونهيه ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وتتعظون.
عن ابن مسعود ، أنه قال : هي أجمع آية في القرآن للخير والشرّ ، ولو لم يكون فيه غير هذه الآية الكريمة لكفت في كونه تبيانا لكلّ شيء وهدى (١) .
وعن ابن عباس : أنّ عثمان بن مظعون الجمحي قال : ما أسلمت أولا إلّا حياء من محمّد صلىاللهعليهوآله ، ولم يتقرّر الإسلام في قلبي ، فحضرت عنده ذات يوم ، فبينما هو يحدّثني إذا رأيت بصره شخص إلى السماء ثمّ خفضه عن يمينه ، ثمّ عاد لمثل ذلك فسألته ، فقال : « بينما أنا احدثك إذا بجبرئيل نزل عن يميني فقال : يا محمّد ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ﴾ العدل : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والاحسان: القيام بالفرائض ﴿وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى﴾ [ أي ] صلة ذي القرابة ﴿وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ﴾ الزنا ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ ما لا يعرف في شريعة ولا سنّة ﴿وَالْبَغْيِ﴾ الاستطالة » .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ١٣٦.