وقيل : يسألون الله تعالى ألف سنة المطر ليسكن ما بهم من شدّة الحرّ ، فتظهر لهم سحابة ، فيظنّون أنها تمطر ، فجعلت السّحابة تمطر عليهم بالحيّات والعقارب ، فيشتد ألمهم لانّه إذا جاء الشرّ من حيث يؤمل الخير كان أغمّ (١) .
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ
وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩)﴾
ثمّ بالغ سبحانه بتهديد المشركين بأهوال القيامة بقوله : ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ﴾ ونحشر فيه ﴿فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾ من الامم وجماعة من جماعات الناس ﴿شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ وجنسهم ، ليكون أقطع لعذرهم لكونه بينهم ﴿وَجِئْنا بِكَ﴾ يا محمّد ﴿شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ﴾ الامم وشهدائهم.
نقل كلام الفخر الرازي في المراد من الشهيد
قال الفخر الرازي : إن كلّ جمع وقرن يحصل في الدنيا ، فلا بدّ أن يحصل فيهم واحد يكون شهيدا عليهم ، أمّا الشهيد على الذين كانوا في عصر الرسول فهو الرسول صلىاللهعليهوآله بدليل قوله تعالى : ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾(٢) ، وثبت أيضا أنه لا بدّ في كلّ زمان بعد زمان الرسول صلىاللهعليهوآله من الشهيد ، فتحصّل من هذا أن عصرا من الأعصار لا يخلو من شهيد على الناس ، وذلك الشهيد لا بدّ وأن يكون غير جائز الخطأ ، وإلا لافتقر إلى شهيد آخر ، ويمتدّ ذلك إلى غير النهاية ، وذلك باطل ، فثبت أنه لا بدّ في كلّ عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم ، وذلك يقتضى أن [ يكون ] إجماع الامّة حجّة (٣) .
أقول : هذا عين ما قاله أصحابنا الامامية ، فانهم يقولون : إنّه لا بدّ في كلّ عصر من وجود حجّة معصوم ، إما ظاهر مشهود ، أو غائب مستور ، ولو لا ذلك لساخت الأرض بأهلها ، ولا حجّية للاجماع إلّا إذا علم موافقة رأيهم لرأي المعصوم ، وذلك المعصوم هو الشهيد ، وإنّما الفرق بيننا وبين هذا القائل أنّا نعرفه باسمه ونسبه ، وهو يجحده لعصبيّته.
القمي في تفسير ﴿شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ﴾ قال : يعني على الأئمة عليهمالسلام ، فرسول الله صلىاللهعليهوآله شهيد على الأئمة عليهمالسلام ، وهم شهداء على الناس (٤) .
وقال بعض العامة : المراد بذلك الشهيد هو أنّه تعالى ينطق عشرة [ من ] أعضاء الانسان حتّى تشهد عليه ، وهي : الأذنان والعينان واليدان والرجلان والجلد واللسان ، قال : والدليل عليه أنّه تعالى قال في
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٦٩.
(٢) البقرة : ٢ / ١٤٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٩٨.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٨٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٥٠.