فعلت ما عليك ، وبقي ما علينا من تعذيبهم على العناد والإصرار على الكفر.
ثمّ ذمّهم سبحانه بغاية الكفران بقوله : ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ﴾ عليهم من جميع الوجوه ﴿ثُمَّ يُنْكِرُونَها﴾ ويكفرونها بنسبتها إلى الأصنام وعبادتها ، مع أنّ حقّ معرفة النّعم أن يقرّوا بها ويشكروها بتخليص العبادة لله وصرفها فيما فيه رضاه ، وقيل : نعمة الله نبوة محمّد صلىاللهعليهوآله (١)﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ﴾ لتلك النعمة والجاحدون لها.
قيل : نسبة الكفر الى الأكثر لكون بعضهم جاهلين بصدق النبي صلىاللهعليهوآله غير معاندين للحق (٢) . وقيل : إنّ المراد بالأكثر الجميع (٣) .
عن الصادق عليهالسلام : « نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عباده ، وبنا فاز من فاز » (٤) .
وفي رواية عنه عليهالسلام : « يعني يعرفون ولاية علي عليهالسلام » (٥) .
﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ *
وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِذا رَأَى
الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ
فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ
ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٨٤) و (٨٧)﴾
ثمّ هدّد الكافرين بنعمته بأهوال القيامة بقوله : ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ﴾ ونحشر ﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ﴾ وجماعة ﴿شَهِيداً﴾ يشهد بإيمان مؤمنيهم وكفر كافريهم ﴿ثُمَ﴾ بعد الشهادة ﴿لا يُؤْذَنُ﴾ من قبل الله ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ في الاعتذار عن كفرهم وعصيانهم ، لكذبهم وتمامية الحجّة عليهم ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ ولا يطلب منهم عمل موجب لرضا ربّهم عنهم وإصلاح ما فسد من أعمالهم ، لكون ذلك اليوم يوم الجزاء لا العمل ، بل يؤمرون بالدخول في النّار ﴿وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أنفسهم بالكفر والطغيان ﴿الْعَذابَ﴾ الشديد ضجّوا وسألوا تخفيفه ﴿فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ﴾ ثقل العذاب وشدّته ﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ ولا يمهلون ساعة ليستريحوا ، بل يزيد عذابهم مع أصنامهم ﴿وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ بالله الشياطين والأصنام التي جعلوها ﴿شُرَكاءَهُمْ﴾ وآلهتهم ﴿قالُوا﴾ إحالة لعذابهم إليها ، أو تعجّبا من حضورها ، أو إظهارا لخطابهم في عبادتها ﴿رَبَّنا هؤُلاءِ﴾ الأصنام ﴿شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا﴾ في الدنيا
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ٥٥٤ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٣٤.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٩٥.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٨٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٩.
(٥) الكافي ١ : ٣٥٤ / ٧٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٩.