سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ
تُسْلِمُونَ (٨١) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ * يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ
يُنْكِرُونَها وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ (٨٢) و (٨٣)﴾
ثمّ لمّا كانت أرض الحجاز شديدة الحرّ ، استدلّ على توحيده بخلق ما يحفظ به من الحرّ بقوله :﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ﴾ من الأشجار والجبال والغمام ﴿ظِلالاً﴾ يتّقون به حرّ الشمس. القمي ، قال : ما يستظلّ به (١) . ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً﴾ ومحافظ من الحرّ كالكهوف والغيران والسّروب (٢)﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ﴾ وثيابا من القطن والصوف وغيرهما ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ وتحفظكم منه ﴿وَسَرابِيلَ﴾ كالدّروع والجواشن (٣)﴿تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾ وتحفظكم من الطّعن والضرب ونحوهما ممّا يضرّكم في الحروب.
قيل : إنّ الله تعالى ذكر نعمه الفائضة على جميع الطوائف ، فبدأ بما يخصّ المقيمين حيث قال :﴿جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً﴾(٤) ثمّ بما يختصّ بالمسافرين ممّن لهم قدرة على الخيام وأضرابها حيث قال : ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً﴾(٥) ، ثمّ بما يعمّ من لا يقدر على ذلك ولا بما دونه (٦) إلّا الظّلال حيث قال : ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً﴾ ثمّ بما لا بدّ منه لأحد حيث قال : ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ ثمّ بما لا مناصّ عنه في الحرب حيث قال : ﴿وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾(٧).
ثمّ قال : ﴿كَذلِكَ﴾ الإتمام البالغ لنعمه الجسمانية ﴿يُتِمُّ نِعْمَتَهُ﴾ الدنيوية والدينيّة ﴿عَلَيْكُمْ﴾ لتنظروا إليها وتتفكّروا فيها ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ تعرفون حقّ منعمها و﴿تُسْلِمُونَ﴾ وتنقادون لربوبيته وأحكامه ، أو تسلمون من الشرك.
عن ابن عباس : لعلّكم يا أهل [ مكة ] تخلصون لله الربوبية ، وتعلمون أنّه لا يقدر على هذه الإنعامات أحد سواه (٨) .
وقيل : يعني أعطيتكم هذه النّعم لتتفكروا فيها فتؤمنوا فتسلموا من عذاب الله (٩) .
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ يا محمّد ، وأعرضوا عن التفكّر في الآيات والنّعم ، ولم يقبلوا قولك ، وآثروا الدنيا ومتابعة الآباء ﴿فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ والتبليغ الموضح للحقّ لا إجبارهم على القبول ، وقد
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٨٨ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٨.
(٢) السّروب : جمع سرب ، الحفير تحت الأرض لا منفذ له.
(٣) الجوشن : الدّرع.
(٤ و٥) النحل ١٦ : ٨٠.
(٦) في تفسير أبي السعود : ولا يأويه.
(٧) تفسير أبي السعود ٥ : ١٣٣.
(٨) تفسير الرازي ٢٠ : ٩٤.
(٩) تفسير الرازي ٢٠ : ٩٤.