قيل : أول ما يبدو في الجنين حسّ السمع ثمّ البصر (١) .
﴿أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللهُ إِنَّ فِي
ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٧٩)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه بعجائب أحوال الطيور بقوله : ﴿أَ﴾ و﴿لَمْ يَرَوْا﴾ هؤلاء المشركون ولم ينظروا ﴿إِلَى الطَّيْرِ﴾ حال كونها ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ ومذللات للطيران ﴿فِي جَوِّ السَّماءِ﴾ وفضائها أو هوائها بأجنحتها وأسباب طيرانها التي خلقها لها ، ومع ذلك ﴿ما يُمْسِكُهُنَ﴾ ويحفظهنّ من السقوط حين قبض أجنحتهن وبسطها ووقوفهنّ شيء ﴿إِلَّا اللهُ﴾ القادر الحكيم ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من تسخير الطير للطيران وإمساكها في الجوّ على خلاف طبع الجسم ﴿لَآياتٍ﴾ وحجج باهرة على قدرة خالقها وتدبيره وحكمته ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فانهم المنتفعون بها بالتفكّر فيها.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً
تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها
أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٨٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاستدلال بالنعم الداخلية على الانسان ، استدلّ بالنعم الخارجية بقوله : ﴿وَاللهُ جَعَلَ﴾ وخلق نفعا ﴿لَكُمْ﴾ وصلاحا لحالكم بعضا ﴿مِنْ بُيُوتِكُمْ﴾ وهي البيوت المبنية من الأحجار والطين والأخشاب ﴿سَكَناً﴾ ومأوى تستريحون فيه وتطمئنون به وقت إقامتكم لعدم إمكان نقلها من مواضعها ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ﴾ والأدم المعمولة منها ﴿بُيُوتاً﴾ اخرى كالخيام والأخبية والفساطيط التي ﴿تَسْتَخِفُّونَها﴾ وتستسهلون حملها ونقلها ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ﴾ وسيركم في البوادي والأسفار ﴿وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ﴾ ووقت حضوركم في البلد ، توقّفكم في مكان تريدون الوقوف فيه ﴿وَ﴾ جعل ﴿مِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً﴾ ولوازم البيت من الفرش والملاحف وأمثالهما. عن ابن عباس : يريد طنافسا (٢) وبسطا وثيابا وكسوة (٣)﴿وَمَتاعاً﴾ وأشياء اخر ، فينتفع بها ﴿إِلى حِينٍ﴾ قضاء الوطر ، أو حين البلى ، أو حين الموت ، أو حين بعد حين ، أو حين القيامة.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٦٣.
(٢) الطّنافس : جمع طنفسة : البساط والنّمرقة فوق الرّحل.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٩٢.