على التكلّم من حين ولادته و﴿لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ﴾ وأمره متعلق بنفسه أو بغيره ﴿وَهُوَ﴾ لعجزه في جميع الامور ﴿كَلٌ﴾ وثقل ﴿عَلى مَوْلاهُ﴾ في ما يحتاج إليه و﴿أَيْنَما يُوَجِّهْهُ﴾ مولاه ، وحيثما يرسله لكفاية أمر ولو كان غير مهمّ ﴿لا يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ ولا يفعل ما فيه صلاح ، إذن قولوا وأنصفوا ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ﴾ يكون منطيقا ذكيا ذا رأي وكفاية وعقل ورشد بحيث ﴿يَأْمُرُ﴾ غيره ﴿بِالْعَدْلِ﴾ وحسن الأخلاق والأعمال ، وما فيه صلاح الحال والمال ﴿وَهُوَ﴾ بنفسه مضافا إلى نفعه العام مقيم ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ والمنهج القويم من صحة العقائد وحسن الأخلاق والأعمال ، لا والله لا يمكن تساويهما.
﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ
إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٧٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان غاية البينونة بيّن الجاهل العاجز والعالم القادر على كلّ شيء بضرب المثلين ، بيّن كمال علمه وقدرته بقوله : ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وكان يختصّ به العلم بخفياتهما ﴿وَما أَمْرُ﴾ إيجاد ﴿السَّاعَةِ﴾ والقيامة أو جميع شؤونها بدوا وختما عنده تعالى : ﴿إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ وحركة خفيفة للعين أو حركة الحدقة من الفوق إلى التحت ، أو طرف العين في السهولة والسرعة ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ وأسرع وأسهل لاحتياج حركة العين إلى آنات متعاقبة ، وتوجد القيامة بأمره في آن واحد ، وكلمة ( أو ) للابهام على المخاطبين ، أو بمعنى بل ، ثمّ قرّر قدرته بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من ابتداء الخلق وإعادته.
﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)﴾
ثمّ عاد سبحانه إلى الاستدلال على توحيده وقدرته وحكمته بقوله : ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ﴾ بقدرته ﴿مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ﴾ بالولادة حال كونكم ﴿لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ من البديهيات والنظريات والحسيّات والعقليات من امور الدنيا والآخرة ﴿وَجَعَلَ﴾ وأنشأ ﴿لَكُمُ﴾ في الأرحام ﴿السَّمْعَ﴾ لاستماع مواعظ الله والعلوم النافعة ﴿وَالْأَبْصارَ﴾ لرؤية آيات الله ومعاجز الأنبياء وقراءة الكتب ﴿وَالْأَفْئِدَةَ﴾ لفهم معارف الله ودرك العلوم العقلية ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمة الولادة وتركيب الأعضاء والقوى فيكم بأن تستعملوها فيما خلقت له.