بقوله : ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ﴾ ولا تشبّهوه بخلقه ، وقيل : يعني لا تجعلوا لله مثلا ، لأنّه واحد لا مثل له (١)﴿إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ﴾ فساد مذهب الشرك وبطلان دليله وعظم عقوبة القائلين به ، ولذا ينهاكم عنه ﴿وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ شيئا من الامور المذكورة ، ولو علمتموه لتركتموه ، أو المراد أنّ الله يعلم ضرب الأمثال وأنتم لا تعلمونه.
﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ
يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ
اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما
يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ (٧٥) و (٧٦)﴾
ثمّ ضرب سبحانه المثل لتوضيح التباين بينه وبين ما أشركوه به بقوله : ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً﴾ بديعا ، وهو أن تفرضوا ﴿عَبْداً مَمْلُوكاً﴾ لا شيء له و﴿لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ﴾ من التصرّفات ﴿وَمَنْ﴾ كان حرّا كريما ﴿رَزَقْناهُ مِنَّا﴾ بإنعامنا وكرّمناه بطريق الملك ﴿رِزْقاً حَسَناً﴾ واسعا حلالا طيبا مرضيا عنده وعند كلّ أحد ﴿فَهُوَ﴾ بكرمه وسلطنته في التصرّف في رزقه ﴿يُنْفِقُ مِنْهُ﴾ على الغنيّ والفقير تفضّلا وكرما ﴿سِرًّا وَجَهْراً﴾ وخفية وعلانية كيفما أراد ، وأيّ قدر أراد بلا مانع وحاجز ، فبعد فرض هذا المملوك العاجز ، وهذا الحرّ الغنيّ الكريم ، أنصفوا أيها العقلاء ﴿هَلْ يَسْتَوُونَ﴾ لا والله لا تساوي بينهما أبدا ، إذن فكيف تسوّون بين الأصنام التي هي أعجز وأفقد من كلّ شيء ، وبين الله القادر الغنيّ بالذات الكريم الذي لا تناهي لكرمه ، حيث إنّه يرزق من يشاء ما يشاء كيف يشاء بغير حساب.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على نعمه غير المتناهية لا يشركه فيها غيره ، ولا يليق بالحمد من سواه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ وهم المشركون ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ عدم التساوي بينهما ، ولذا يعبدون الجمادات ويسوّون بينها وبين خالق الموجودات ، ويحمدون الأصنام ، ويكفّرون وليّ الأنعام.
ثمّ اعلم أنّ هذا المثل منطبق على الكافر المحروم عن عبادة الله وطاعته ، والمؤمن المطيع لله القائم بعبوديته المشفق على خلقه المنفق عليهم ، وكذا على الجاهل الفاقد للعلم ، والعالم العارف بالله وأحكامه ، فالأولان كالعبد الذليل الفاقد لكلّ شيء ، والثانيان كالحرّ الواجد المنفق.
﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً﴾ آخر أدلّ على المقصود ، وهو أن تفرضوا ﴿رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ﴾ لا قوة له
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٨٣.