والمملوك يرتزقون من رزق الله ﴿فَهُمْ﴾ جميعا من المالك والمملوك في الارتزاق برزق الله وتقديره ﴿فِيهِ سَواءٌ﴾ كلّ يرزق رزقه المقدّر له ، وإنّما الفرق في مجراه ؛ فمجرى رزق المالك ملكه ، ومجرى رزق المملوك يد مالكه ، فلا يحسبنّ الملّاك أنّهم رزاق مماليكهم.
وقيل : إنّ المقصود توبيخ الملّاك ، والمعنى فلم لا يردّ الموالي فضل رزقهم على مماليكهم حتى يتساووا في المطعم والملبس.
عن أبي ذرّ ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : « إنّما هم إخوانكم فاكسوهم ممّا تكتسون (١) ، وأطعموهم ممّا تطعمون » قال : فما رأى بعد ذلك عبد أحد إلّا ورداءه كردائه وإزاره كإزاره (٢) .
وقيل : إنّ الآية ردّ على عبدة الأصنام (٣) ، حيث جعلوها شركاء لله وسوّوا بينه وبينها ، وتقريره أنّ الله فضّل الملاك على مماليكهم ، بحيث لا يقدر المملوك على ملك مع مولاه ، ولا تجعلون عبيدكم معكم سواء في الملك ، فكيف تجعلون هذه الجمادات مع الله سواء في العبودية ، فالمعنى فما الذين فضّلوا بجاعلي رزقهم لعبيدهم حتى يكونوا مع عبيدهم في الملك والرزق سواء.
عن ابن عباس : نزلت في نصارى نجران حيث قالوا : عيسى ابن الله ، فالمعنى أنّكم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونوا سواء ، فكيف جعلتم عبدي ولدا لي وشريكا في الالوهية ؟ ! (٤)
ثمّ لمّا كان الشرك يلازم إسناد النّعم إلى ما أشركوه من عيسى أو الأصنام ، أنكر عليهم ذلك بقوله: ﴿أَ فَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾ ويكفرون.
﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه بخلق الأزواج والأولاد بقوله : ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ ومن جنسكم ﴿أَزْواجاً﴾ لتسكنوا إليها ، وتأنسوا بها.
عن القميّ : يعني خلق حوّاء من آدم (٥) .
﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ قيل : هم الأختان (٦) . وقيل : هم أولاد الأولاد (٧) . وقيل : هم الأعوان والخدم من قبل الزوجة فيشمل الكلّ (٨) .
__________________
(١) في جوامع الجامع : تلبسون.
(٢) جوامع الجامع : ٢٤٦ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٥.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٧٩ / القول الثاني.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٧٩.
(٥) تفسير القمي ١ : ٣٨٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٦.
(٦ و٧) تفسير أبي السعود ٥ : ١٢٨.
(٨) تفسير الرازي ٢٠ : ٨١.