﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ
شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٧٠)﴾
ثمّ استدلّ بخلقة الانسان بقوله : ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ﴾ وأوجدكم ﴿ثُمَ﴾ بعد مدّة من التعيّش ﴿يَتَوَفَّاكُمْ﴾ ويميتكم على اختلاف أعماركم ، فمنكم من يموت في الصّغر ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ وأخسّه وهو الهرم الذي يعود الانسان فيه إلى حال الصّغر من ضعف البدن والقوى والعقل والفهم.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّه قال : « أرذل العمر خمس وسبعون سنة » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام ، عن أبيه عليهالسلام : « إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر » (٢) .
أقول : لعلّ الاختلاف من جهة اختلاف الأشخاص.
﴿لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ﴾ كثير ﴿شَيْئاً﴾ من العلم أو المعلومات ، وقيل : يعني لئلا يعقل بعد عقله الأول شيئا (٣) .
عن القمي : إذا كبر لا يعلم ما علمه قبل ذلك (٤)﴿إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ﴾ بمقادير أعماركم ﴿قَدِيرٌ﴾ على إبقاء الهرم الفاني وإماتة الشابّ القويّ النّشط ، ولو كان ذلك بمقتضى الطبائع لما بلغ التفاوت هذا المبلغ.
﴿وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى
ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٧١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر تفاوت الآجال ذكر كثرة تفاوت أرزاق الناس بقوله : ﴿وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ آخر ﴿فِي الرِّزْقِ﴾ والنّعم الدنيوية ، حيث إنّكم ترون العاقل الكيّس الفطن في جميع الامور يجتهد مدّة عمره ، ويدبّر في طلب القليل من الدنيا ، ولا يتيسّر له ، بل يعيش في غاية العسرة ، والجاهل الغبيّ تقبل عليه النّعم وتنفتح عليه أبوابها ، ويحصل له كلّما أراد في الحال بأيسر وجه ، ولو كان المؤثّر في ازدياد الرزق العقل والتدبير والجهد ، لكان الأمر بالعكس.
فعلم أنّ التفاوت بتقدير العزيز العليم ، كما قال تعالى : ﴿نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾(٥) فاذا علم أنّ الرازق هو الله ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا﴾ في الرزق على غيرهم ﴿بِرَادِّي﴾ معطي ﴿رِزْقِهِمْ﴾ وما أعطاهم الله من النّعم ﴿عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ﴾ من العبيد والإماء ، بل كلّ من المالك
__________________
(١) مجمع البيان ٦ : ٥٧٤ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٤.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٧٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٤.
(٣) تفسير أبي السعود ٥ : ١٢٧.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٨٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٥.
(٥) الزخرف ٤٣ : ٣٢.