العالية الانسانية والدرجات الرفيعة في الجنّة ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ القرآن العظيم رافع للاختلاف ، وكان من أعظم ما أختلف فيه هو التوحيد ، شرع في الاستدلال عليه بقوله : ﴿وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ وأنبت به فيها أنواع النبات بعد يبسها ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من إنزال المطر وإحياء الأرض والله ﴿لَآيَةً﴾ ودلائل واضحة ﴿لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ تلك الدلائل سماع تدبّر وإنصاف.
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً
خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على توحيده بعجائب أحوال الحيوانات بقوله : ﴿وَإِنَّ لَكُمْ﴾ أيها الناس ﴿فِي الْأَنْعامِ﴾ الثلاثة (١) والله ﴿لَعِبْرَةً﴾ ودلالة مؤدّية إلى العلم بالحقّ ، وهي أنّا ﴿نُسْقِيكُمْ﴾ ونشربكم ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ وبعض ما في أجوافه ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ﴾ وسرجين ﴿وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً﴾ صافيا من أجزائهما وأوصافهما و﴿سائِغاً﴾ وسهل المرور في الحلق ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾ قيل : خلق الله اللّبن في مكان وسط بين مكان الفرث ومكان الدم (٢) .
وعن ابن عبّاس : إذا استقرّ العلف في الكرش صار أسفله فرثا ، وأعلاه دما ، وأوسطه لبنا ، فيجري الدم في العروق ، واللّبن في الضّرع ، ويبقى الفرث كما هو ، وذلك هو قوله تعالى : ﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً﴾ لا يشوبه الدم ولا الفرث (٣) .
قيل في توجيهه : إنّ اللّبن يكون من صافي الغذاء والعلف المنجذب إلى الكبد ، فبعد تصرّف الكبد فيه يجري إلى الضّرع مقدار منه فيصير لبنا ، والزائد عليه يجري في الأوردة (٤) .
عن الصادق عليهالسلام قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ليس أحد يغصّ بشرب اللّبن ؛ لأنّ الله عزوجل يقول : ﴿لَبَناً خالِصاً سائِغاً﴾(٥) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إذا أكل أحدكم طعاما فليقل : اللهمّ بارك لنا فيه ، وأطعمنا خيرا منه. وإذا شرب لبنا فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، فانّي لا أعلم شيئا أنفع في الطعام والشراب منه » (٦) .
﴿وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ
__________________
(١) وهي الإبل والبقر والضأن.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٤٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٦٤ / المسألة الثالثة.
(٤) تفسير البيضاوي ١ : ٥٤٩.
(٥) الكافي ٦ : ٣٣٦ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٢.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٤٨.