الذين اقتضت الحكمة وجودهم ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ﴾ المسمّى ، وانقضاء عمرهم المقدّر ، وبلغ وقت هلاكهم ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عنه ﴿ساعَةً﴾ ودقيقة ﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ
لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ * تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ
الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٢) و (٦٣)﴾
ثمّ أكّد سبحانه ذمّهم بقوله : ﴿وَيَجْعَلُونَ﴾ ويثبتون ﴿لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ﴾ لأنفسهم من الشريك والبنات ﴿وَ﴾ مع ذلك ﴿تَصِفُ﴾ وتقول ﴿أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ وهو قولهم : ﴿أَنَّ لَهُمُ﴾ العاقبة ﴿الْحُسْنى﴾ من الجنّة والنّعم ، إن كان حشر في الآخرة. وقيل : هذا قول المقرّين بالبعث (١) .
ثمّ ردّهم الله بقوله : ﴿لا جَرَمَ﴾ وحقا ﴿أَنَّ لَهُمُ﴾ في الآخرة ﴿النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ﴾ ومتروكون أو منسيون فيها ، أو معجّلون إليها.
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان غاية جهل هذه الامّة ، أخذ في تسليّة نبيه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا﴾ رسلا كثيرة ﴿إِلى أُمَمٍ﴾ كثيرة ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ كما أرسلناك إلى هذه الامّة ، فدعوهم إلى دين الحقّ كما دعوتهم إليه ﴿فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ﴾ القبيحة من إنكار التوحيد والنبوة والمعاد وتكذيب الرسل والاستهزاء بهم ، ولذا لم يجيبوا الرسل ، وثبتوا على ما هم عليه بتسويل الشيطان ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ﴾ وقرينهم أو مطاعهم ﴿الْيَوْمَ﴾ الذي يكذّبون الرسل أو يدعوهم النبيّ إلى دينه ، والمعنى : زيّن الشيطان أعمال الكفّار في الأعصار السابقة في نظرهم ، وهو وليّ الكفّار في عصرك ، أو المراد من اليوم الدنيا أو القيامة ﴿وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.
﴿وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ * وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٤) و (٦٥)﴾
ثمّ أنه تعالى بعد تهديد الكفّار بيّن تمامية الحجّة عليهم بإنزال القرآن بقوله : ﴿وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ﴾ العظيم لغرض من الأغراض ﴿إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ من التوحيد والنبوة والمعاد والحلال والحرام ﴿وَ﴾ ليكون ﴿هُدىً﴾ لهم من الضلالة ﴿وَرَحْمَةً﴾ وسببا للفوز بالمقامات
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٦٠.