لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه على توحيده بعجائب حالات النباتات ومنافعها بقوله : ﴿وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ﴾ نسقيكم ونطعمكم ، حيث إنّكم ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْهُ﴾ لانتفاعكم ﴿سَكَراً﴾ وخمرا.
عن الصادق عليهالسلام : « أنّها نزلت قبل آية التحريم فنسخت بها (١) » . وقيل : إنّها لا تدلّ على حلّيته ، لأنّ الخطاب للمشركين ، وكان الخمر من أشربتهم (٢) ، بل أشار سبحانه إلى حرمته بقوله : ﴿وَرِزْقاً﴾ وطعاما ﴿حَسَناً﴾ من الربّ (٣) والخلّ والدّبس وغيرها ، فإنّ توصيف الرزق بالحسن في مقابل السّكر مع كونه حسنا عند العرب بمقتضى الشهوة ، يدلّ على عدم كون السّكر حسنا بحسب الشرع.
وقيل : إنّ المراد بالسّكر الخلّ ، وعليه القمّي (٤) وقيل : إنّ المراد به مطلق الطعام (٥) .
ثمّ لمّا ذكر تلك النّعم التي يكون كلّ واحد منها دليلا قاطعا على توحيده ، حثّ العقلاء على التفكّر فيها بقوله : ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة ودلالة واضحة على التوحيد ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فإنّهم إذا التفتوا إليها ، علموا بالضّرورة أنّ المدبّر ليس إلّا الواحد الحكيم القدير.
﴿وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا
يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ
بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ (٦٨) و (٦٩)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه بعجائب حالات النحل وإخراج العسل منها ، وهو مركّب من عجائب الحيوان والنبات بقوله : ﴿وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ وزنبور العسل ، بأن ألهمها وعلّمها وقرّر في نفسها ﴿أَنِ اتَّخِذِي﴾ لنفسك ﴿مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً﴾ ومساكن تأوي إليها ﴿وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ ويرفعونه من الأرض من كرم أو سقف أو جدار.
وقيل : كلّ ذباب في النّار إلّا ذباب العسل (٦) . وإنّما سمّيت نحلا لأنّ الله تعالى نحل الناس العسل الذي يخرج منها ، ومن عجائبها أنّها تبني بيوتا مسدّسة متساوية الأضلاع لا يزيد بعضها على بعض بحيث لا يبقى بينها فرج خالية ، ولو كانت مشكّلة بغيرها لبقيت بينها بالضّرورة فرج خالية ضائعة.
__________________
(١) تفسير العياشي ٣ : ١٤ / ٢٣٩٩ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٦٨.
(٣) الربّ : عصارة التمر والعنب المطبوخة.
(٤) تفسير القمي ١ : ٣٨٧ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٢.
(٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٦٨ ، تفسير البيضاوي ١ : ٥٥٠ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٢٥.
(٦) تفسير روح البيان ٥ : ٥٠.