أنه ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ به من أنّ لله البنات اللاتي هذا محلهنّ عندهم ، واختيار البنين لأنفسهم.
﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ (٦٠)﴾
ثمّ لمّا كان الاحتياج إلى الولد من صفات الممكنات ، نبّه على مباينة صفاته تعالى لصفات خلقه بقوله : ﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ والصفات الامكانية الذميمة من الحاجة إلى الولد والفرح بالذكور وكراهة البنات ﴿وَلِلَّهِ﴾ الواجب الوجود ﴿الْمَثَلُ الْأَعْلى﴾ من مثل الممكنات والصفة الفائقة على صفات الكائنات من وجوب الوجود الملازم للكمال من جميع الجهات والتنزّه عن الحاجة إلى الولد وعن سائر النقائص ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والغالب على كلّ شيء ، القادر على إنفاذ إرادته ﴿الْحَكِيمُ﴾ الذي لا يفعل إلّا ما هو الأصلح ، فيجازيهم على أحكامهم السيئة وأعمالهم القبيحة حسب استحقاقهم وشناعة أعمالهم.
﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ
مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١)﴾
ثمّ بيّن الله تعالى تفضّله عليهم بتأخير عذابهم مع غاية استحقاقهم له بقوله : ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ﴾ ويعاقبهم على كفرانهم وعصيانهم في الأرض ﴿ما تَرَكَ عَلَيْها﴾ شيئا ﴿مِنْ دَابَّةٍ﴾ ومتحرّك بالإرادة ، أمّا الانسان فبظلمه (١) ، وأمّا سائر الحيوانات فلأنّها خلقت للانسان ، فإذا هلك الانسان فلا فائدة في وجود الحيوانات ، أو لأنّ الانسان إذا هلك انقطع المطر والنبت.
عن أبي هريرة : أنّه سمع رجلا يقول : الظالم لا يضرّ إلّا نفسه فقال : لا والله ، بل إنّ الحبارى (٢) لتموت في وكرها بظلم الظالم (٣) .
وعن ابن مسعود : أنّه قال : كاد الجعل (٤) يهلك في جحره بذنب ابن آدم (٥) . ﴿وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ﴾ ويمهلهم ﴿إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ وانقضاء العمر المقدّر لهم ، ليتوالدوا ويخرج من أصلابهم الذراري
__________________
(١) في النسخة : فيظلمهم.
(٢) الحبارى : طائر طويل العنق رمادي اللون على شكل الإوزة.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٥٩ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٢٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٥.
(٤) الجعل : حشرة كالخنفساء تكثر في المواضع الندية.
(٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٥٩ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٢٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٥.