ثمّ أنّه تعالى بعد حصر المؤمنين الكمّلين بالواجدين لتلك الصّفات والأعمال ، أكّده بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بالصّفات الجليلة المذكورة ﴿هُمُ :﴾ بالخصوص ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ إيمانا ﴿حَقًّا﴾ ثابتا لا يشوبه شرك جليّ ولا خفيّ ؛ لإحاطة نور الإيمان بقلوبهم وجوارحهم ، وظهور آثاره من بواطنهم وظواهرهم.
ثمّ بيّن سبحانه اختصاصهم بغاية الكرامة عنده بقوله : ﴿لَهُمْ دَرَجاتٌ﴾ رفيعة من الكرامة والشّرف ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ في الدّنيا والآخرة ، ﴿وَ﴾ لهم ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ وستر ، أي ستر لذنوبهم وزلّاتهم ﴿وَرِزْقٌ﴾ واسع هنيء ﴿كَرِيمٌ﴾ لا انقطاع له ، ولا تعب ، ولا كدورة فيه في البرزخ والآخرة.
عن القمّي رحمهالله : نزلت في أمير المؤمنين ، وأبي ذرّ ، وسلمان ، ومقداد (١) .
وفي ( الكافي ) عن الصادق عليهالسلام : « بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ، وبالزّيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله ، وبالنّقصان دخل المفرّطون النّار » (٢) .
ثمّ أنّه روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لمّا رأى كثرة المشركين يوم بدر وقلّة المسلمين قال : من قتل قتيلا فله سلبه ، ومن أسر أسيرا فله كذا وكذا ، ليرغّبهم في القتال ، فلمّا انهزم المشركون قال سعد بن عبادة : يا رسول الله ، إنّ جماعة من أصحابك وقومك فدوك بأنفسهم ولم يتأخّروا عن القتال جبنا ولا بخلا ببذل مهجهم ، ولكنّهم أشفقوا عليك من أن تغتال ، فمتى أعطيت هؤلاء ما سمّيته لهم بقي خلق من المسلمين بغير شيء ، فأنزل الله ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ...﴾(٣) ففوّض الله أمر الغنيمة إلى رسوله يصنع فيها ما يشاء ، فأمسك المسلمون عن الطّلب وفي أنفس بعضهم شيء من الكراهة (٤) .
وكذلك حين خرج الرّسول صلىاللهعليهوآله إلى القتال يوم بدر كانوا كارهين لتلك المقاتلة ، فشبّه سبحانه كراهتهم اختصاص الأنفال بالرّسول بكراهتهم خروج الرّسول صلىاللهعليهوآله إلى قتال بدر بقوله : ﴿كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ﴾ الذي كنت فيه بالمدينة ، أو من المدينة التي هي دار هجرتك إلى قتال بدر إخراجا مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ والحكمة والصّلاح ﴿وَ﴾ الحال ﴿إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بك ﴿لَكارِهُونَ﴾ خروجك ، فكما أنّ كراهتهم لخروجك كانت لما هو خير لهم ، كذلك كراهتهم اختصاصك بالغنيمة تكون كراهة ما فيه خيرهم.
وقيل : إنّ المعنى : أنّ الموصوفين بتلك الصّفات هم المؤمنون حقّا ، كما أنّ حكم الله بخروجك من بيتك إلى القتال حقّ. قيل : إن جبرئيل أتاه وأمره بالخروج.
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٢٥٥ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٦٨.
(٢) الكافي ٢ : ٣١ / ١ ، تفسير الصافي ٢ : ٢٦٨.
(٣) الأنفال : ٨ / ١.
(٤) تفسير الرازي ١٥ : ١٢٥.