يُنْفِقُونَ (٢) و (٣)﴾
ثمّ بيّن علّة ملازمة الإيمان للطّاعة ببيان الصّفات النفسانيّة التي لا ينفكّ المؤمن الكامل منها بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ الصادقون في الإيمان ، الكاملون فيه هم ﴿الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ﴾ عندهم ، أو ذكروه ﴿وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ وخافت أفئدتهم من عظمته ومهابته ، ومن احتمال التّقصير في طاعته ؛ فيستحقّوا عتابه أو عقابه ﴿وَإِذا تُلِيَتْ﴾ وقرئت ﴿عَلَيْهِمْ﴾ وبمسمع منهم ﴿آياتُهُ﴾ القرآنيّة البالغة أعلى درجة الفصاحة ، المشحونة بالعلوم والمعارف والمواعظ والحكم ﴿زادَتْهُمْ﴾ تلك الآيات بالتفكّر والتدبّر فيها ﴿إِيماناً﴾ على إيمانهم لزيادة معرفتهم بعظمته وقدرته وحكمته وصدق رسوله ﴿وَ﴾ من المعلوم بأنّ من آثار ازدياد المعرفة وقوّة اليقين بصفاته الكماليّة أنّهم ﴿عَلى رَبِّهِمْ﴾ ومالك امورهم ، اللّطيف بهم ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ وعليه يعتمدون في امورهم ، وإليه يفوّضون جميع شؤونهم من حفظهم ورزقهم وتدبير معاشهم ، فلا يخافون ولا يرجون غيره.
وروي أنّه « لا يكمل إيمان المرء حتّى يرى النّاس كالأباعير » (١) .
فإذا حصل للمؤمنين هذه الصّفات لا يكون نظره إلّا إلى تحصيل رضا الله ، فيقوم بطاعته ويبذل نفسه وماله في سبيله ، ولذا وصفهم بعد تلك الصّفات الحميدة النفسانيّة بقوله :
﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ التي هي أهمّ العبادات البدنيّة مراعيا لشرائطها المعتبرة في صحّتها وكمالها ﴿وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ﴾ وأعطيناهم من القوى والعلم والجاه والمال ﴿يُنْفِقُونَ﴾ في سبيله ، ويبذلون في مرضاته. وإنّما خصّ سبحانه التوكّل من بين الصّفات النفسانيّة الباطنية ، والصّلاة والإنفاق من بين الأعمال الخارجية الظاهريّة بالذّكر تنبيها على شرفها وتبعيّة سائر الصّفات الكماليّة والأعمال العباديّة لها.
﴿أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * كَما
أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ *
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ
يَنْظُرُونَ (٤) و (٦)﴾
__________________
(١) ورد في ( البحار ) عن ( مكارم الأخلاق ) و( عدة الداعى ) بلفظ : « لا يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يرى الناس في جنب الله تبارك وتعالى أمثال الأباعر » . بحار الأنوار ٧٢ : ٣٠٤ و٧٧ : ٨٥.