وقيل : إنّ له الدين ذا كلفة ، أو له الجزاء الذي لا انقطاع له (١)﴿أَفَغَيْرَ اللهِ﴾ بعد تقرير الشؤون المذكورة له ﴿تَتَّقُونَ﴾ وتطيعون.
ثمّ أكدّ استحقاقه الطاعة والعبادة بقوله : ﴿وَما﴾ أحاط ﴿بِكُمْ﴾ أو يكون لكم شيء ﴿مِنْ نِعْمَةٍ﴾ أيّ نعمة كانت ﴿فَمِنَ﴾ فضل ﴿اللهِ﴾ هي لا من غيره.
عن الصادق عليهالسلام : « من لم يعلم أنّ لله عليه من نعمة [ إلّا ] في مطعم أو ملبس ، فقد قصر عمله ودنا عذابه » (٢) .
﴿ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ أقل مساس ﴿فَإِلَيْهِ﴾ تعالى خاصه ﴿تَجْئَرُونَ﴾ وتتضرعون في كشفه عنكم ، وبه تستغيثون بصوت عال لخلاصكم منه.
﴿ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ﴾ بعد تضرّعكم إليه ﴿إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ﴾ ومالكهم اللطيف بهم ﴿يُشْرِكُونَ﴾ مع أنّ ترتيب الشرك الذي هو أبغض عنده من كلّ سوء على إنعامه عليهم بالنّعم الكثيرة وإعانتهم في كشف الضرّ غاية الكفران ونهاية القباحة ، بل كأنّهم لشقاقهم معنا اختاروا الشرك ﴿لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ﴾ من النّعم وكشف الضرّ.
ثمّ هدّدهم على كفرانهم بقوله : ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ أيّها الفرقة الكافرة ، وانتفعوا باللذائذ الدنيوية أياما قليلة ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ سوء عاقبة كفرانكم ، وهو ابتلاؤكم بأشدّ العذاب ، وفي الالتفات من الغيبة إلى الخطاب أذان بغاية السّخط ، وتأكّد الوعيد المنبئ عن الأخذ الشديد.
﴿وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ *
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٦) و (٥٧)﴾
ثمّ ذمّهم على كفرانهم الآخر المشعر بغاية سفههم بقوله : ﴿وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ﴾ حقيقته وقدره الخسيس من الجمادات التي اتّخذوها شركاء لله ، أو لا يعلمون الوهيته ، أو لا يعلمون في عبادته نفعا ولا ضرا ، أو لا يعلمون له حقا ﴿نَصِيباً﴾ وسهما ﴿مِمَّا رَزَقْناهُمْ﴾ وأنعمنا عليهم من الزرع والأنعام تقربا إليه ﴿تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ﴾ أيّها السّفهاء يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريع ﴿عَمَّا كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَفْتَرُونَ﴾ على الله من قولكم بأنّه اتّخذ الأصنام شركاء لنفسه ، ورضي بالتقرب إليها.
ثمّ ذكر سبحانه كفرانهم الآخر بقوله : ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ﴾ ويقولون : إنّ الملائكة بنات الله ، وهم
__________________
(١) تفسير البيضاوي ١ : ٥٤٧ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١١٩ و١٢٠.
(٢) تفسير القمي ١ : ٣٨١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٠.