وقيل : يعني يخافون ربّهم من أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم (١) . وعلى التقديرين هو تقرير لقوله : من يخاف الله لا يستكبر عن عبادته.
﴿وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ به من الطاعات والتدبيرات ، وإنما لم يذكر الآمر وهو الله لمعلوميته ، ولإظهار العظمة والجلالة.
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنّ لله ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فاذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حقّ عبادتك » (٢) .
﴿وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات توحيده ، وبيان عظمته وقدرته ومهابته ، نهى عن الشرك بقوله : ﴿وَقالَ اللهُ﴾ لجميع العقلاء بلسان جميع رسله ودلالة آيات توحيده ﴿لا تَتَّخِذُوا﴾ مع الله إلها آخر ، فيكون مختاركم في العبادة ﴿إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ بداهة كون التعدّد والتثنّي منافيا للالوهية التي لا تكون إلا لواجب الوجود الذي يمتنع أن يجامع الحدود التي هي تلازم الاثنينية ، فإذا ثبت ذلك فالهكم ومعبودكم بالاستحقاق ﴿إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ﴾ لا شريك له ولا ندّ ، فاذا علمتم أيّها الناس توحيدي وقدرتي وعظمتي وعدم رضاي بالاشتراك ، إن كنتم راهبين من شيء ﴿فَإِيَّايَ﴾ خاصة ﴿فَارْهَبُونِ﴾ لعدم قدرة أحد على الاضرار على أحد مع سلطنتي في عالم الوجود وقاهريّتي على جميع الممكنات ، وإنما عدل سبحانه من الغيبة إلى الحضور لتربيتة المهابة في القلوب.
﴿وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَ فَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ * وَما بِكُمْ
مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ * ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ
عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٤) و (٥٥)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تقرير الوهيّته وعظمته بقوله : ﴿وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ خلقا وتدبيرا وسلطانا ﴿وَلَهُ الدِّينُ﴾ والطاعة والانقياد ﴿واصِباً﴾ وواجبا كما عن الصادق عليهالسلام (٣) ، أو دائما أو ثابتا (٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٤٥ ، تفسير البيضاوي ١ : ٥٤٦ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١١٩.
(٢) مجمع البيان ٦ : ٥٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٣٩.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ١٣ / ٢٣٩٦ ، تفسير الصافي ٣ : ١٤٠.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٤٩ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٢٠ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٢ ، وفيه : واجبا ثابتا.