مفردا والشمال جمعا ، لأنّ العرب إذا ذكرت صيغتي الجمع عبّرت عن أحدهما بلفظ المفرد (١) .
وأمّا سجود الأظلال فهو انقيادها واستسلامها لإرادة الله المتعلّقة بحركات الشمس موافقة للحكمة وحسن النظام. وقيل : إنّه انبساطها على وجه الأرض ملتصقة بها كهيئة الساجد (٢) . ولذا قيل : ظلّك يسجد الله وأنت لا تسجد له (٣) .
وأمّا إرجاع ضمير العقلاء إليها مثل : ( هم ) و( الواو والنون ) فلاسناد فعل العقلاء إليها ، ويمكن أن يكون بلحاظ أنّ جميع الموجودات في نظره تعالى شاعرون عاقلون ، وإن كانوا في نظر الظاهر غير شاعرين.
﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا
يَسْتَكْبِرُونَ * يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٤٩) و (٥٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر سجود الظلال لعظمته ، ذكر سجود الحيوانات والملائكة له بقوله : ﴿وَلِلَّهِ﴾ العظيم وحده ﴿يَسْجُدُ﴾ ويخضع ﴿ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾
ثمّ بيّن أنّ المراد بما في الأرض بقوله : ﴿مِنْ دابَّةٍ﴾ وكلّ ما يتحرّك على وجه الأرض ، كما عن ابن عبّاس (٤) .
ثمّ بيّن المراد بما في السماوات بقوله : ﴿وَالْمَلائِكَةُ﴾
وقيل : إنّ المراد من الدابة كلّ ما يتحرّك بالإرادة (٥) فيشمل الملائكة.
وقيل : إنّ المراد بما في السماوات جميع ما خلق فيها. وعلى القولين يكون ذكر الملائكة من باب ذكر الخاص بعد العام إظهارا لشرفهم وفضلهم.
وقيل : إنّ المراد بما في السماوات الخلق الذي يقال له الروح ، والمراد من الملائكة جميعهم (٦) .
وقيل : إنّ المراد من ﴿ما فِي السَّماواتِ﴾ ملائكة السماوات ، ومن ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ المذكور في الآية ملائكة الأرض كالحفظة وغيرهم (٧) .
﴿وَهُمْ﴾ مع عظم خلقهم وعلوّ شأنهم ورفعة مقامهم ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عن السجود لله وغاية الخضوع له و﴿يَخافُونَ رَبَّهُمْ﴾ ومليكهم الذي هو ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ بالقهر والغلبة خوف المهابة والإجلال.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٤٣ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١١٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٠ : ٤٣.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٤٤.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٤١.
(٦ و٧) تفسير أبي السعود ٥ : ١١٩.