﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن
فَيَكُونُ (٣٧) و (٤٠) ﴾
ثمّ بيّن سبحانه رسوخ الشرك في قلوب مشركي عصر النبيّ بقوله : ﴿إِنْ تَحْرِصْ﴾ يا محمّد ﴿عَلى هُداهُمْ﴾ وتجتهد كلّ الجهد في إيمانهم وهدايتهم ، لم يفد شيئا ﴿فَإِنَ﴾ الهداية والضلالة بيد الله و﴿اللهَ لا يَهْدِي﴾ إلى الحقّ ﴿مَنْ يُضِلُ﴾ عنه بخذلانه ، فيبتلون بالعذاب في الآخرة ، أو فيها وفي الدنيا ﴿وَما لَهُمْ﴾ أحد ﴿مِنْ ناصِرِينَ﴾ يدافع عنهم بشفاعة أو قوة قهرية.
ثم أنّه تعالى بعد حكاية إنكارهم التوحيد ، حكى إنكارهم البعث مقسمين عليه بقوله : ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ﴾ وأغلظها ، على أنّه ﴿لا يَبْعَثُ اللهُ﴾ من في القبور للحساب والجزاء ﴿مَنْ يَمُوتُ﴾ في الدنيا.
قيل : إنّهم أنكروا النبوة لا دعائهم لغويّته إذا لم يكن دار جزاء ، ولمّا لا تكون دار جزاء فلا يكون نبوّة (١) ، فردّ الله عليهم بقوله : ﴿بَلى﴾ يكون دار جزاء ، ويبعث الله من يموت البتة ، لأنّه تعالى حسب حكمته وعد به ﴿وَعْداً﴾ ثابتا ﴿عَلَيْهِ﴾ إنجازه ، لامتناع الخلف في وعده ، وحقّ البعث عليه ﴿حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ بالبعث لجهلهم بقدرة الله وحكمته المقتضية لوجوبه عليه ﴿لِيُبَيِّنَ﴾ ويميّز ﴿لَهُمُ﴾ المطيع والعاصي ، والمحقّ والمبطل ، والظالم والمظلوم وغيرها من الحق ﴿الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ ويتنازعون في شأنه ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بإنكار التوحيد والنبوة والبعث وتكذيب وعد الله ورسله ﴿أَنَّهُمْ كانُوا﴾ في الدنيا ﴿كاذِبِينَ﴾ في جميع (٢) ما يقولون ، وفي حلفهم بالله على عدم البعث.
ثمّ استدلّ سبحانه بكمال قدرته على إمكان البعث بقوله : ﴿إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ﴾ جليل أو حقير أو عزيز أو هيّن ﴿إِذا﴾ اقتضى الصلاح وجوده و﴿أَرَدْناهُ﴾ هو ﴿أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ﴾ ونفيض عليه الوجود ﴿فَيَكُونُ﴾ ويوجد بلا حاجة إلى مادة ومدّة ومعين وآلة ودفع مانع ومعارض ، فمن كان نفاذ إرادته بهذه المثابة ، كيف يمتنع عليه إعادة الخلق بعد إيجادهم أولا بغير مثال مع أنّ الاعادة أهون ؟ .
في ( الكافي ) عن الصادق عليهالسلام أنّه قال لأبي بصير : « ما تقول في هذه الآية ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٣١.
(٢) في النسخة : جمع.