وحرّمنا ما حرّمنا علينا ، إنّه تعالى أراد منّا تلك العبادة والحرمة.
ثمّ أبطل الله دليلهم بقوله : ﴿كَذلِكَ﴾ الاستدلال الذي فعل هؤلاء المشركون ﴿فَعَلَ﴾ المشركون ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ فابتلوا بالعذاب الذي هو أدلّ الدلائل على عدم رضائه تعالى بفعلهم ، وقد بلّغهم الرسل ذلك ﴿فَهَلْ﴾ الواجب ﴿عَلَى الرُّسُلِ﴾ شيء ﴿إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ والبيان الموضح للحقّ ، وقد أدوا ما عليهم ، ولم يكن لهم وعليهم إجبار الناس على قبول قولهم.
واعلم أنّ الآية وأضربها أدلّ دليل على بطلان القول بالجبر كما عليه الأشاعرة ، والعجب من بعضهم أنّه قال : هذا الكلام ، صدر عنهم استهزاء ، ولو قالوه اعتقادا لكان صوابا (١) . وقال آخر منهم : لو قالوه معرفة بالله وتعظيما له ، لما كان فيه عيب (٢) .
﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ
هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاشارة إلى تبليغ الرسل بطلان الشرك وعدم رضا الله به ، وتعذيب القائلين به ، صرّح بالأمرين بقوله : ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ﴾ من الامم ﴿رَسُولاً﴾ خاصا بهم أو عاما ، كما بعثنا في هذه الامّة ، وكانت رسالتهم ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللهَ﴾ وحده ولا تشركوا به شيئا ﴿وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ وما يبعثكم إلى الطغيان من الشيطان ، والدّعاة إلى الشرك ، وأمّا اممهم فتفرّقوا ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ﴾ ووفّقهم لقبول دعوة الرسل والإقرار بالتوحيد ونفي الأنداد ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ﴾ شمله الخذلان و﴿حَقَّتْ﴾ وثبتت ﴿عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾
عن القمي : ورسخ في قلبه الشرك فلم يتّعظ بمواعظ الرسول إلى الموت ، وابتلى كثير منهم بالعذاب (٣) .
فان لم تصدّقوني ﴿فَسِيرُوا﴾ أيّها الناس ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ وسافروا في أطرافها ﴿فَانْظُرُوا﴾ بعين الاعتبار ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ للرسل وكتبهم ، كي تعتبروا من مشاهدة آثار العذاب في ديارهم.
﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ *﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٣٢.
(٣) لم نجده في تفسير القمي.