له أبواب النار ، وشرعت له طرقها ، ونظر إلى ما اعدّ الله له فيها ، فاستقبل كلّ مكروه ونزل كلّ شرور ، وكلّ (١) هذا يكون عند الموت ، وعنده يكون اليقين (٢) ، قال الله : ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ الى آخره ، وقال : ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾ الآية » (٣) .
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ * فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما
عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) و (٣٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد حكاية طعن المشركين في القرآن الذي هو أعظم المعجزات ، وتهديدهم بالعذاب ، بيّن إصرارهم على الشرك والكفر مع عدم العذر لهم في ترك الايمان بقوله : ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ ويتوقّعون في ترك الايمان بالنبي وكتابه شيئا ﴿إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ الموكّلون بقبض أرواحهم ، أو ليشهدوا بصدقهما ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ وعذابه ، أو حكمه بنزول العذاب ، مع أنّ عند أحد الأمرين لا ينفع الايمان ﴿كَذلِكَ﴾ الإصرار على الكفر ومعارضة الرسول ﴿فَعَلَ﴾ الامم الكافرة ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ فابتلوا بالعذاب ﴿وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ﴾ بتعذيبهم ، لأنه كان حقّهم ﴿وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بإصرارهم على الكفر والطغيان الموجب لنهاية استحقاقهم له ﴿فَأَصابَهُمْ﴾ ووصل إليهم ﴿سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا﴾ وجزاء ما فعلوا ﴿وَحاقَ﴾ وأحاط ﴿بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ من العذاب الموعود.
﴿وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا
آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ
إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥)﴾
ثمّ أنه تعالى بعد حكاية شبهتهم في النبوة وطعنهم في القرآن ، حكى استدلالهم على صحة شركهم وبدعهم بقوله : ﴿وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ نحن مجبورون من قبل الله في عقائدنا وأعمالنا ، فلا يصدر منا إلّا ما أراد الله و﴿لَوْ شاءَ اللهُ﴾ أن لا نعبد الأصنام ، ولا نحرّم السائبة وأخواتها ﴿ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه ﴿مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ فلمّا عبدنا الأصنام
__________________
(١) في أمالي الطوسي : وترك كل سرور ، كل.
(٢) في النسخة : بيقين.
(٣) أمالي الطوسي : ٢٧ / ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٣٣ ، والآية من سورة النحل : ١٦ / ٢٨.