وقيل : إنّ قوله : ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ الى آخره ، هو كلام الله تقريرا لقول المتقين خيرا (١) .
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ
يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣١) و (٣٢)﴾
ثمّ شرح سبحانه دار المتقين وبيّنها ، قيل : كأنّه قيل : أي دار هذه الدار الممدوحة ؟ فأجاب سبحانه بأنّها جنات خاصة تسمّى ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾(٢) هي وسط الجنان. وقيل : يعني جنّات إقامة وخلود (٣)﴿يَدْخُلُونَها﴾ لها قصور مرتفعة وأشجار مثمرة كثيرة ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ﴾ الكثيرة ، أو الأربعة المذكورة في سورة محمّد صلىاللهعليهوآله (٤) ، و﴿لَهُمْ﴾ خاصة ﴿فِيها ما يَشاؤُنَ﴾ من المشتهيات النفسانية والروحانية ﴿كَذلِكَ﴾ الجزاء الجزيل ﴿يَجْزِي اللهُ﴾ الكريم ﴿الْمُتَّقِينَ﴾ في الآخرة على إيمانهم وتقواهم.
ثمّ بيّن سبحانه أنّ المراد بالمتقين هم الذين استمرّوا على التقوى إلى الموت بقوله : ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ﴾ وتقبض أرواحهم ﴿الْمَلائِكَةُ﴾ الموكلون بقبض أرواح المؤمنين ، وهم ملائكة الرحمة ، حال كونهم ﴿طَيِّبِينَ﴾ وطاهرين من دنس الشرك والمعاصي ، أو طيبة (٥) أنفسهم بالموت ، مشتاقين إلى لقاء الله ورضوانه ، أو ببشارة الملائكة إياهم بالجنة.
والقمي قال : هم المؤمنون الذين طابت مواليدهم (٦) ، فاذا كانوا كذلك فالملائكة ﴿يَقُولُونَ﴾ لهم تعظيما وتبشيرا : ﴿سَلامٌ﴾ من الله ، أو منّا ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أيّها المؤمنون ، لا خوف عليكم بعد هذا اليوم من مكروه.
وقيل : إذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت فقال : السّلام عليك يا وليّ الله ، الله يقرئك السّلام (٧) ، وقالت لهم [ الملائكة ] : إذا بعثتم في القيامة ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ فانّها معدّة لكم مشتاقة إليكم ، أو قالت لهم : ادخلوا الجنة الآن ﴿بِما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ من طاعة الله وترك المعاصي.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أيّ المنزلين يصير ؛ إلى الجنة أم النار ، أعدوّ هو لله أو وليّ ، فان كان وليا لله فتحت له أبواب الجنة ، وشرعت له طرقها ، ونظر إلى ما أعدّ الله [ له فيها ] ففزع من كلّ شغل ، ووضع عنه كلّ ثقل ، وإن كان عدوا لله فتحت
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٤.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٥.
(٣) تفسير الصافي ٣ : ١٣٣.
(٤) سورة محمّد صلىاللهعليهوآله : ٤٧ / ١٥.
(٥) في النسخة : طيبين.
(٦) في تفسير القمي ١ : ٣٨٥ ، تفسير الصافي ٣ : ١٣٣.
(٧) تفسير روح البيان ٥ : ٣١.