ثمّ يقال لهم : ﴿فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ﴾ أي باب منها شئتم ، أو كلّ فرقة منكم من باب حال كونكم ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ غير خارجين منها أبدا ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ عن قبول التوحيد وتبعية الأنبياء.
﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا
حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان سوء مقال الكفّار وسوء عاقبتهم ، بيّن حسن مقال المؤمنين وحسن عاقبتهم بقوله : ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ الشرك وعصيان الرسول تفتيشا عن دين الاسلام ، وتحقيقا عن حال القرآن ﴿ما ذا﴾ القرآن الذي ﴿أَنْزَلَ رَبُّكُمْ﴾ على نبيّكم ؟
روي أنّ أحياء العرب كانوا يبعثون أمام موسم الحجّ من يأتيهم بخبر النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فاذا جاء الوفد لقيه (١) المقتسمون الذين اقتسموا طرق مكة ، وأمروه بالانصراف وقالوا : إن لم تلقه كان خيرا لك ، فانّه ساحر كاهن كذاب [ مجنون ] . فيقول : أنا شرّ وافد إن رجعت إلى قومي دون أن استطلع أمر محمد وأراه. فيلقى أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله فيخبرونه بصدقه ، فذلك قوله : ﴿وَقِيلَ﴾ أي من طرف الوافدين للذين آمنوا : ماذا أنزل ربكم ؟ ﴿قالُوا :﴾ أنزل ربنا ﴿خَيْراً﴾ وكتابا حقا (٢) .
ويحتمل أن يكون المراد بالخير المعارف والأحكام المؤدية إلى كلّ خير في الدنيا والآخرة ، فيكون من إطلاق المسبّب على سببه ، أو من باب المبالغة.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « عليكم بتقوى الله فانّها تجمع الخير ولا خير غيرها ، ويدرك بها من الخير ما لا يدرك بغيرها من خير الدنيا والآخرة [ قال الله عزوجل ]﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ إلى آخره »(٣).
ثمّ بيّنوا وجه الخيرية بقوله : ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ في العقائد والأعمال ﴿فِي هذِهِ الدُّنْيا﴾ تكون ﴿حَسَنَةٌ﴾ في الآخرة من الجنة والنعم الدائمة والراحة الأبدية ، أو المراد أنّه يكون لهم في هذه الدنيا حسنة من المدح والثناء والتعظيم والغلبة على الأعداء بالحجّة والألطاف الخاصّة الإلهية والانس بالله والانقطاع عمّا سواه ﴿وَ﴾ بالله ﴿لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ﴾ وأفضل من دار الدنيا ، ﴿وَ﴾ بالله ﴿لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ﴾ دار الآخرة.
وعن الباقر عليهالسلام : ﴿وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ﴾ الدنيا » (٤) .
__________________
(١) في تفسير روح البيان : الوافد كفه.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٢٩.
(٣) أمالي الطوسي : ٢٥ / ٣١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٣٣.
(٤) تفسير العياشي ٣ : ٨ / ٢٣٨٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٣٣.