لا يكون عقيب موتهم حياة (١) . وأيضا لا بدّ من كونه شاعرا لعبادة عابديه عالما بأحوالهم ، وهؤلاء الأصنام لا يعلمون بأحوال أنفسهم ﴿وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ وفي أيّ وقت يحيون ويحشرون.
وإنّما ذكر سبحانه عدم شعورهم بوقت بعثهم مع أنّهم لا يشعرون شيئا ، للاشعار بأنّهم يحشرون لازدياد حسرة عابديهم على عبادتهم.
عن ابن عبّاس : أنّ الله يبعث الأصنام ولها أرواح ومعها شياطينها ، فيؤمر بها إلى النار (٢) .
أقول : إلقاؤها في النّار ليس لتعذيبها ، لأنّه لا معصية لها ، بل لتعذيب عابديها.
قيل : إنّ الله وصف الأصنام بالموت وعدم الشعور مع أنّ الجماد لا يوصف بهما ؛ لأنّ المشركين وصفوهم بالالوهية (٣) ، فحسن أن يقال : ليس الأمر كذلك ، بل هي أموات لا شعور لها.
وقيل : إنّ المراد أنّهم لا يشعرون أنّ عبدتهم أيّان يبعثون (٤) ، فكيف يكون لهم شعور بوقت جزائهم على عبادتهم ؟ !
﴿إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ *
لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٢) و (٢٣)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد إثبات التوحيد وتزييف عبادة الأصنام ، أكّد توحيده في الالوهية بقوله : ﴿إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ﴾ لا إله إلّا هو بالبراهين الساطعة والحجج الباهرة ، وإذا كان الأمر كذلك ﴿فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بوحدانية الله مع كمال وضوحها ، إنّما هو لكونهم لا يؤمنون ﴿بِالْآخِرَةِ﴾ ولا يرجون ثواب الله على التوحيد ، ولا يخافون عقابه على الشرك ، ولذا ﴿قُلُوبُهُمْ﴾ تابعة لهوى أنفسهم ، مصرّة على تقليد أسلافهم ونصرة أباطيلهم ﴿مُنْكِرَةٌ﴾ لكلّ حقّ يخالفه ﴿وَهُمْ﴾ مع ذلك ﴿مُسْتَكْبِرُونَ﴾ عن قبول قول الغير ، ومترفّعون عن طاعة الرسول صلىاللهعليهوآله.
ثمّ هدّدهم سبحانه بقوله : ﴿لا جَرَمَ﴾ وحقا ﴿أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ﴾ ويخفون من الكيد برسوله صلىاللهعليهوآله ، ويضمرون من التصميم على إهانة أوليائه ﴿وَما يُعْلِنُونَ﴾ ويظهرون من تحزيب الأحزاب وإلقاء الشّبهات في القلوب وغيرهما ، فيجازيهم عليها أسوأ الجزاء ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ ولا يريد لهم خيرا ، ولا يدفع عنهم شرا ، بل يكلهم إلى أنفسهم ، ليظهر خبث ذواتهم ، ويتناهى طغيانهم وكفرهم.
عن الباقر عليهالسلام ، في تأويل الآية : ﴿لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ يعني الرجعة ﴿قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ﴾ يعني
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٠ : ١٦.
( ٢ و٣ و٤ ) تفسير الرازي ٢٠ : ١٦.