اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ * وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ
دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما
يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (١٧) و (٢١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاستدلال ببادئع صنعه على توحيده ، أنكر على من أشرك به الأصنام بقوله :
﴿أَ فَمَنْ يَخْلُقُ﴾ هذه المخلوقات العظيمة النافعة ، أو يخلق كلّ شيء يمكن أن يكون ﴿كَمَنْ لا يَخْلُقُ﴾ شيئا ؟ لا والله لا يمكن أن يتوهّم العاقل تشابها بينهما ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ولا تلتفتون إلى عدم التشابه الذي هو أوضح من كلّ واضح.
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر بعض نعمه ، أشار إلى عموم نعمه بقوله : ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ﴾ عليكم ﴿لا تُحْصُوها﴾ ولا تقدرون على تعدادها ؛ لعدم إمكان إحاطتكم بجميعها لكثرتها ، فانّ كلّ عرق أو عصب في - البدن وإن كان في غاية الصغر - نعمة عظيمة ، بحيث لو اختّل أحدها ليتمنّى أن ينفق جميع الدنيا لإزالة ذلك الخلل ، مع أنّ الشّظاظ (١) والعروق الصغار في البدن لا يمكن إحصاؤها فكيف بالنّعم الخارجية ، فانّ جميع ذرات الموجودات دخيل في مصالحه من غذائه ولباسه وصحته وتكميل نفسه ، وأنتم تكفرون بتلك النّعم و﴿إِنَّ اللهَ﴾ مع ذلك والله ﴿لَغَفُورٌ﴾ لكفرانكم و﴿رَحِيمٌ﴾ بإدامة نعمه عليكم وعدم قطع فضله وإحسانه عنكم.
﴿وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ﴾ من كفران نعمه من توطنتكم على توهين رسوله صلىاللهعليهوآله وتخريب دينه والاستهزاء بكتابه ﴿وَما تُعْلِنُونَ﴾ وتجهرون من عبادتكم الأصنام ، وإيذاء الرسول ، وصدّكم الناس عن دين الحقّ.
وقيل : إنّ وجه النّظم أنّه تعالى أثبت وحدانيته في الآيات السابقة بإثبات قدرته الكاملة ، وفي هذه الآية بسعة علمه.
ثمّ استدلّ على عدم قابلية الأصنام للعبادة بعجزهم وعدم شعورهم بقوله : ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ ويعبدون الأصنام ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ ومتجاوزين عنه ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً﴾ ولا يقدرون على إيجاد شيء ﴿وَهُمْ﴾ مع ذلك ﴿يَخْلُقُونَ﴾ بتخليق الغير.
ولو تنزّلنا عن لزوم كون الإله قادرا غير عاجز ، وخالقا غير مخلوق ، فلا مناصّ من القول بلزوم كون الإله حيا غير ميت ، ومن الواضح أنّ هؤلاء الأصنام ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ﴾ قيل : إنّ المراد أنّهم أموات
__________________
(١) كذا ، والظاهر : الشظايا.