﴿وَيَخْلُقُ﴾ لانتفاعكم في الدنيا ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾ خلقه وعدده ومنافعه وكيفية الانتفاع به من أصناف النّعم ، وإنّما أتى سبحانه بصيغه المضارع للدلالة على التجدّد والحدوث.
القمي رحمهالله ، قال : العجائب التي خلقها [ الله ] في البرّ والبحر (١) .
وقيل : هذا إخبار بأنه سبحانه يخلق من الخلائق ما لا علم لنا به ، مما فيه دلالة على قدرته الباهرة الموجبة لتوحيده كنعمته الباطنة والظاهرة (٢) .
عن ابن عبّاس : أنّ عن يمين العرش نهرا من نور مثل السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة ، يدخل فيه جبرئيل كلّ سحر فيغتسل فيزداد نورا إلى نور ، وجمالا إلى جمال ، وعظما إلى عظم ، ثمّ ينتفض فيخلق الله من كلّ قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك ، فيدخل منهم كلّ يوم سبعون ألف [ ملك ] البيت المعمور ، وسبعون ألف ملك الكعبة ، لا يعودون إليه أبدا إلى يوم القيامة (٣) .
وقيل : يعني يخلق الله لكم في الجنة غير ما ذكر من النّعم الدنيوية ما لا يمكنكم أن تعلموه في الدنيا من النّعم التي لم ترها عين وما سمعتها اذن ، وما خطرت (٤) على قلب بشر (٥) .
﴿وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩)﴾
م ثمّ أنّه تعالى بعد بيان الأدلة القاطعة على توحيده وصفاته الكمالية ، بيّن غاية لطفه بعباده بقوله : ﴿وَعَلَى اللهِ﴾ واجب بمقتضى لطفه الهداية إلى توحيده ومعارفه ، بنصب الأدلّة القاطعه الواضحة حتى يتبين للناس ﴿قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ والطريق المستقيم الموصل إلى كلّ حقّ وإلى كلّ خير ، ويمتاز من سائر السبل ، فانّ منها مستقيما ﴿وَمِنْها جائِرٌ﴾ ومنحرف عن الحقّ ومؤدّ إلى الهلاك ، ولا يحصى عددها المندرج كلّها تحت الجائر.
وقد أدّى سبحانه ما عليه حيث أبدع هذه البدائع التي كلّ واحد منها نور يهتدى به ، وأرسل رسلا وأنزل كتبا وأرشد إلى الاستدلال بتلك الأدلة المفضية إلى معالم الهدى ، المنجية من مهاوي الرّدى ، ألا ترى كيف بيّن في هذه السورة أولا تنزّهه تعالى عن توهّم الاشراك.
ثمّ بيّن سرّ إيحاء الوحي إلى الرسل ، وكيفية أمرهم بانذار الناس ، ودعوتهم إلى التوحيد ، وتخويفهم من الشرك وزجرهم عنه ، ثمّ عاد إلى بيان تعاليه عن الشرك بدلالة أفعاله وصنائعه ، فبدأ بذكر صنعه
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٣٨٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٩٨.
(٣) تفسير الرازي ١٩ : ٢٣١ ، تفسير أبي السعود ٥ : ٩٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ١٢.
(٤) في النسخة : تره عين ، وما سمعته اذن ، وما خطر.
(٥) تفسير أبي السعود ٥ : ٩٨.