﴿وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ
تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ
بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٥) و (٧)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد الاستدلال بخلق الانسان ، استدلّ بخلق الحيوانات النافعة له ، فابتدأ بخلق أنفعها بقوله : ﴿وَالْأَنْعامَ﴾ الأربعة من الإبل والبقر والضأن والمعز ﴿خَلَقَها﴾ نفعا ﴿لَكُمْ﴾ وأهمّ نفعها أن لكم ﴿فِيها دِفْءٌ﴾ وحافظ من البرد كاللباس المعمول من الشعر والصوف والوبر ﴿وَ﴾ لكم ﴿مَنافِعُ﴾ اخر منها كالنسل واللبن والركوب والحرث ﴿وَمِنْها تَأْكُلُونَ﴾ كاللحوم والشحوم وسائر ما يؤكل منها.
ثمّ نبّه سبحانه على منافعها غير الضرورية بقوله : ﴿وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ﴾ ووجاهة عند الناس ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ تلك الأنعام وتردونها من مراعيها إلى محالّ راحتها بالعشيّ ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ تلك وترسلونها من مراحها إلى مراعيها بالغداة ، فانّ الفضاء أمام الدور يتزيّن بها في الوقتين ، ويعظم أهلها في أعين النّاس.
وإنّما قدّم الاراحة لأنّ الجمال عند عودها من مراعيها أظهر ، لأنّها حينئذ ملأى البطون ، حافلة الضّروع ، مجتمعة في الحضائر ، حاضرة لأهلها ، وأمّا عند خروجها إلى المراعي فكلّها جائعة عادمة اللبن ، ثمّ تأخذ في التفرّق والانتشار ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ﴾ وأمتعتكم التي لا تقدرون على حملها ﴿إِلى بَلَدٍ﴾ بعيد ﴿لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ﴾ ولم تتمكنّوا أن تصلوا إليه مجرّدين عن الأثقال ﴿إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ﴾ والتعب الذي يصعب تحمّله ، فكيف مع استصحابها ؟
عن ابن عباس : يريد من مكة إلى المدينة ، أو إلى اليمن ، أو إلى الشام ، أو إلى مصر (١) .
أقول : هذا التخصيص لأنّ متاجر قريش كانت في زمان النزول إلى تلك البلاد (٢) .
ثمّ بيّن سبحانه علّة هذه الإنعامات على الإنسان بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكُمْ﴾ والله ﴿لَرَؤُفٌ﴾ وكثير الوداد بكم ﴿رَحِيمٌ﴾ وعطوف على خلقه ، ولذا أراد توسعة المعاش وتيسير الأمر عليكم بخلق الأنعام.
﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨)﴾
ثمّ استدلّ سبحانه بخلق الحيوانات التي نفعها دون الأنعام بقوله : ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ﴾ خلقها ﴿لِتَرْكَبُوها وَ﴾ لتكون ﴿زِينَةً﴾ لكم ، أو لتتزينوا زينة وتتعظّموا بتملّكها وركوبها عند الناس
__________________
(١ و٢) تفسير الرازي ١٩ : ٢٢٨.