الملائكة الحفظة رقباء على بني آدم (١) . وعلى أيّ تقدير يكون وحيهم إلى الأنبياء ﴿أَنْ أَنْذِرُوا﴾ وخوّفوا قومكم ، واعلموا ﴿أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا﴾ ولا معبود سواي ، وأنا اعاقبهم على القول بالاشراك بي في الالوهية والعبادة ، وقولوا لهم : إذا كان الأمر كذلك ﴿فَاتَّقُونِ﴾ وخافوني ولا تشركوا بي غيري.
وقيل : إن الخطاب للمستعجلين على طريقة الالتفات (٢) من الغيبة إلى الخطاب ، والمراد أنّه إذا كان الأمر كما ذكر من أنّ الله يوحي إلى الأنبياء بتوسّط الملائكة توحيده ، فاتّقوني في الاشراك بي وفروعه التي منها الاستهزاء برسولي واستعجال عذابي.
﴿خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ
نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)﴾
ثمّ لمّا أعلن سبحانه بتوحيده ، أخذ في الاستدلال عليه بكمال قدرته وحكمته بقوله : ﴿خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ خلقا مقرونا ﴿بِالْحَقِ﴾ والحكمة والصواب ، والوجه الفائق ، والنّمط اللائق ، فمن قدر على هذا الخلق العظيم ؟ ﴿تَعالى﴾ وتقدّس بذاته وصفاته ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به ، وتنزّه عن أن يجعل له عبيده وغيره عدلا في الالوهية واستحقاق العبادة.
ثمّ أنّه تعالى بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض ، استدلّ بخلق ما فيهما من البدائع ، ولمّا كان الانسان أكمل الكلّ والآية العظمى ، ابتدأ سبحانه بالاستدلال بخلقه بقوله : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ﴾ الذي انطوى فيه العالم الأكبر ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ قذرة منتنة متولّدة من الأغذية المتشابهة الأجزاء في الصورة بعد خلق أوّل فرد منه من تراب ﴿فَإِذا هُوَ﴾ بعد خلقه وتربيته وتكميله في الجسم والقوى ﴿خَصِيمٌ﴾ ومعارض لخالقه ﴿مُبِينٌ﴾ ومتجاهر في خصومته.
روي أن أبي بن خلف الجمحي أتى النبيّ صلىاللهعليهوآله بعظم رميم فقال : يا محمّد ، أترى الله يحيي هذا بعد ما رمّ (٣) ؟ ! فنزلت (٤) وقيل : يعني منطيقا مجادلا عن نفسه ، مكافحا للخصوم ، مبينا لحجّته لقنا بها بعد أن كان نطفة لا حسّ لها ولا حراك ، فانتقاله من أخسّ الأحوال إلى أشرفها دليل على وجود مدبّر قدير حكيم (٥) .
القمي رحمهالله ، قال : خلقه من قطرة ماء منتن فيكون خصيما متكلما بليغا (٦) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٥ : ٩٦.
(٣) رمّ العظم : بلى.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٦.
(٥) تفسير الرازي ١٩ : ٢٢٦.
(٦) تفسير القمي ١ : ٣٨٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٢٧.