في تفسير سورة النحل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١)﴾
ثمّ لمّا ختم سبحانه سورة الحجر بوعيد الكفار بالعذاب وتهديد المستهزئين بالنبيّ صلىاللهعليهوآله باستعجال العذاب ، وأمر النبي صلىاللهعليهوآله بالاعلان برسالته ودعوته وعدم المبالاة بمعارضيه ، وتسليته بعلمه بضيق صدره ، وأمره بالتوجّه إليه واشتغاله بعبادته ، وكان أوّل سورة النحل تأكيد الوعيد بنزول العذاب والنهي عن الاستعجال فيه ، وبيان ما يجب الانذار به ، وختمه أمر النبيّ بالدعوة والصبر على أذى الكفّار وعدم الاعتناء بهم ، وعدم ضيق صدره من مكرهم ، واهتمامه بالعبادة والأعمال الحسنة ، وأهم المطالب المذكورة فيها وهو التوحيد والمعاد والنبوة موافقا لما في الحجر ، أردفها بالنحل ونظمها بعدها (١) ، فابتدأ سبحانه تبركا وتعليما للعباد بذكر أسمائه الحسنى حسب رسمه ودأبه بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
ثمّ شرع فيها بتأكيده وعيد المشركين بالعذاب بقوله : ﴿أَتى أَمْرُ اللهِ﴾ وعذابه الموعود به ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ ولا تطلبوا سرعة نزوله ، فانّه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه.
عن ابن عبّاس : لمّا نزل قوله تعالى : ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾(٢) قال الكفار فيما بينهم : إنّ هذا يزعم أنّ القيامة قد قربت فأمسكوا عن [ بعض ] ما تعملون حتّى ننظر ما هو كائن. فلمّا تأخّرت قالوا : ما نرى شيئا ممّا تخوّفنا به ؟ فنزل قوله تعالى : ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ﴾(٣) فأشفقوا وانتظروا يومها ، فلمّا امتدّت الأيام قالوا : يا محمّد ، ما نرى شيئا ممّا تخوّفنا به. فنزل قوله تعالى : ﴿أَتى أَمْرُ اللهِ﴾ فوثب رسول الله صلىاللهعليهوآله ورفع النّاس رؤوسهم ، فنزل قوله تعالى : ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾(٤) فيكون المعنى أنّ أمر القيامة وعذاب الكفار محقّق الوقوع يجب أن ينزل منزلة الواقع.
__________________
(١) في النسخة : أردف بالنحل ونظم بعده.
(٢) القمر : ٥٤ / ١.
(٣) الأنبياء : ٢١ / ١.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢ ، تفسير الرازي ١٩ : ٢١٨ ، ولم ينسبه إلى ابن عباس.